بالتأكيد ليست الوجاهة في أي مجتمع (بشتاً) وبخوراً ومجلساً مفتوحاً وإن كانت هذه من أساسيات الوجاهة ومن متطلبات المكانة كما لا يخفى. الوجاهة الحقيقية في أي مجتمع عادة ما تأتي بشكل تلقائي ولا يطلبها الشخص أو يسعى إليها باعتبارها تقليدا اجتماعيا وعرفا مجتمعيا تعارف الناس عليه منذ الأزل، إلا أنه في المقابل نجد أن من يسعى للوجاهة ويسعى سعياً حثيثاً لها لا يجد التأييد المتعارف عليه وربما وجد الرفض وفي أحايين كثيرة السخرية حين يتقلد مكانة لا يستحقها أو ليس أهلاً لها. وكما أن للوجيه مكانة مرموقة وهي نتيجة طبيعية للكرم والتواضع ولين الجانب وطيب المعشر والبذل في أوجه الخير والسعي في قضاء حوائج الناس والاهتمام بمن حوله وبذل مكانته ومنزلته لكل ما يخدم مجتمعه، وهنا يبرز بوضوح الجانب المهم الذي ينبغي أن يلمسه الناس من ذلك الوجيه الذي يجعل من مصلحة مجتمعه أولوية تفوق مصالحه الذاتية الخاصة، وكم من التجارب الرائدة كان للوجهاء دور بارز فيها لمجتمعاتهم كونهم أضحوا من الروافد المهمة في الدعم التنموي لمدنهم ومناطقهم عن طريق إيصال صوتهم للمسئول. وكما لا يخفى فإن من الركائز الرئيسة لمؤسسات الوطن تقديم أقصى ما يمكن من خدمة للمواطن والعناية بمتطلباته والاهتمام باحتياجاته عبر سياسة (الباب المفتوح) وهذا موجود وملموس ويتكامل مع هذا الدور ولا يتعارض معه بالطبع دور الوجيه حين يسعى بمتابعة أو توصية أو اقتراح أو تذكير للعناية ببعض الجوانب الخدمية المحلية. فقد يتأخر مشروع ما أو يتعثر أو تكون الحاجة ماسة لمشروع مهم فيأتي ها هنا دور الوجيه الاجتماعي في المطالبة والمتابعة، وهذا أمر يعتبر -في تقديري- من الأدوار التكاملية الطبيعية لتحقيق التنمية المستدامة في أي مجتمع. وكثير من الوجهاء يعرفهم الناس ويشار إليهم بالبنان كانت ولا تزال لهم الجهود الواضحة كشركاء في تسريع وتيرة المنجز الحضاري أو اقتراح إنشائه أو إبداء الرأي في أولوية المشروعات وأهميتها في هذه المنطقة أو تلك. سمعت ورأيت كثيراً من الوجهاء قدموا خدمات جليلة لمجتمعاتهم من أموالهم الخاصة وكذلك من خلال التواصل الإيجابي مع المسئولين لكل ما يخدم حياً أو مركزاً أو قرية أو مدينة أو محافظة أو منطقة، وهو جهد مشكور يجد من الناس الثناء ويجد من المسئول التقدير. والناس بمختلف فئاتهم وصلوا إلى مرحلة من الوعي في تقييم وتقدير من يبذل في سبيل مصلحة مجتمعه عبر مبادراته النوعية التي تكون واضحة للعيان، وبين من يسعى لمصلحته الخاصة الذاتية ويجعل من خدمته لمجتمعه آخر اهتماماته وفي مؤخرة أولوياته وفي ذيل أعماله. هناك جانب من السهل جداً اكتشافه وهو قيام أحدهم بالسعي لمشروع ما أو خدمة ما ويطالب بها على اعتبار أنها مطلب نفعي عام وهو في الحقيقة من المطالب (المقنعة) بالنون المشددة، وهو بذل للوجاهة بطريقة التفافية فاضحة وإن أخفوها إلا أنها واضحة جدا للمسئول قبل الناس. هي ليست دعوة لتصنيف الناس وتكوين التراتبية في المجتمع أو تكريس الطبقية، لكن الوجاهة واقع اجتماعي لا يمكننا إلغاؤه أو تجاهله وهو أمر متعارف عليه في مجتمعاتنا الخليجية بلا استثناء، والطرح هنا لإبراز الجوانب المضيئة التي ينبغي استنساخها وتعزيزها وتأييدها. ولعل من أبرز ما يجعل الوجيه مستبعدا حتى من أقرب المقربين إليه ومبعدا من جماعته ومجتمعه هو التكبر والغطرسة والغرور والبخل وسوء الخلق، فمتى ما اجتمعت هذه الصفات أو أحدها في وجيه سقطت عنه الوجاهة وأصبح في مؤخرة الركب ولو كان كالنجوم علواً وضياءً. الوجيه الحقيقي لا ينتظر من يملي عليه ما يجب عليه القيام به، بل هو دور لابد أن يستشعره ذاتياً ويكون لديه الاستعداد الشخصي أن يفتح قلبه قبل مجلسه لتقديم الخدمة لجميع فئات المجتمع مع ضرورة أن يكون على مسافة متساوية واحدة من الجميع. تربوي