القاهرة: معتز عبد المنعم مياه كثيرة جرت في بحيرة سوق الكاسيت في مصر والعالم العربي، لكنها سرعان ما ركدت وتوقفت عن الجريان، متأثرة بتسارع وسيولة الأحداث السياسية التي تمر بها دول الربيع العربي.. في مصر، كان لافتا افتقاد الجمهور طعم الأغنية الطازجة الممزوجة بهموم الإنسان، رغم الكثير من الأغنيات التي تتحدث عن الثورة والأوضاع الجديدة في البلاد وأحلام البشر في العدل والحرية والكرامة الإنسانية. محسن جابر، «رئيس اتحاد منتجي الكاسيت في مصر، في هذا الحوار مع «الشرق الأوسط» يلقي الضوء على مشهد الأغنية الجديدة في مصر، ويناقش مشاكل الإنتاج والسوق ومدى تأثره بالحالة السياسية. وذلك من واقع خبرته الطويلة بصناعة الموسيقى في مصر والعالم العربي، وإنتاجه الكثير من الألبومات الشهيرة لكبار المطربين والمطربات العربي، وأيضا الأجيال الجديدة من المطربين الشباب.. وهنا نص الحوار: * كيف أثرت الأحداث السياسية منذ 25 يناير (كانون الثاني) وحتى 30 يونيو (حزيران) على صناعة الموسيقى في مصر؟ - أحداث ثورة يناير وما بعدها أثرت تأثيرا يكاد يكون قاتلا، فالصناعة توقفت بشكل شبه كامل، ففي السابق قبل الثورة كانت سوق الكاسيت تستقبل في موسم الصيف ما لا يقل عن 500 ألبوم، اليوم عدد الألبومات المطروحة في الموسم لا يتعدى الألبومين أو الثلاثة، مطروحة في ظروف تجارية وإعلامية وسياسية صعبة، وهو ما يعد «مجازفة» كبيرة لأي منتج أن يغامر بطرح ألبوم يتكلف مبالغ باهظة في إنتاجه، وهو أمر طبيعي نظرا لانشغال الناس بالحالة السياسية والأمنية للبلاد التي تستحوذ على اهتمام الجميع بمن فيهم المطرب نفسه. * ما تأثير عام «حكم الإخوان» على الحركة الفنية في مصر؟ - تأثير حكم «الإخوان» في تحليلي الشخصي له شقان؛ أحدهما خاص بي، والآخر خاص بالصناعة بشكل عام، فشركة «عالم الفن» بعيدة تماما عن إنتاج الأغاني «دون المستوى» التي تحمل إيحاءات في بعض الأحيان يراها البعض ضد قيم ومبادئ المجتمع، وهو ما قد يجد البعض صعوبة في مهاجمته. الشق الآخر خاص بمهاجمة «الإخوان» الفن «الهابط» الذي لا يقدم رسالة ومضمونا حقيقيا، وهو ما أراه في صالح الحركة الفنية في مصر، ولكن الكارثة كانت في عدم معرفتنا بعقيدتهم الفنية وما هو محرم وما هو مدى مستوى التحريم، لنجدهم يغطون تمثال كوكب الشرق «أم كلثوم»، فهل يعتبرون صوتها عورة؟ إذا كان هذا اعتقادهم، فعلى الفن السلام. * كيف تقيم الحركة الغنائية المصرية الآن؟ - الحركة الفنية في الوقت الحالي يمكن اعتبارها «مجمدة» حتى إشعار آخر، فلم يتضح بعد شكل مستقبل البلاد في ظل الصراعات السياسية الحالية، والكل يتابع بشغف في انتظار المجهول، ولا يوجد أحد على استعداد لأن يترك كل هذا وينشغل بشراء ألبوم غنائي جديد، كما أن الحالة النفسية حتى للمنتج غير مهيأة، لأن الفن بطبعه يدعو للبهجة والسرور وهو ما يتعارض مع وجود دماء مصرية ما زالت تسيل، وهذه الحالة أعتقد أنها ستطول حتى عودة الأمن والاستقرار للبلاد بشكل كامل. * يكتب الآن دستور جديد للبلاد.. ما طموحاتك فيه ليكفل حقوقك كمنتج فني؟ - مبدئيا، أنا أثق ثقة تامة بالمخرج خالد يوسف، نظرا لأنه ممثل الحركة الفنية للممثلين والمثقفين في لجنة الدستور، هو على دراية تامة بأولويات المرحلة لتدعيم قانون حماية حقوق الملكية الفكرية، لأن ثقافة حماية الملكية الفكرية في مصر والوطن العربي أصبحت غائبة.. عندما نجد أن موقعا معينا على شبكة الإنترنت يحمل ألبوما كاملا تكلف مبالغ باهظة باعتبار أنه أحد حقوقه الأساسية، ويصبح تفعيل القانون صعبا لأنك تسلبه ما يعتبره حقه، كذلك شركات خدمات الإنترنت البالغ عددها 7 شركات في مصر، يجب أن يكون هناك قانون رادع من شرطة المصنفات ووزارة الثقافة يلزمها «فلترة» محتوى المواقع الإلكترونية، كما يحدث في الخارج، حتى لا يسرق المنتج الذي تكلف مالا وجهدا. * كيف تواجه أعمال القرصنة الإلكترونية للألبومات الغنائية المنتشرة بكثافة الآن؟ - هذا يرجع إلى ديسمبر (كانون الأول) 2010 عندما قابلت وزير الثقافة آنذاك «فاروق حسني» وشرحت له مدى تضرر صناعة الكاسيت من أعمال القرصنة الإلكترونية التي تبيح تحميل المحتوى على المواقع المختلفة، وبالفعل صدر القرار الملزم لشركات خدمات الإنترنت بحماية الملكية الفكرية لشركات الإنتاج، وقمنا بعمل اجتماعات متتالية مع رئيس المجلس الأعلى للثقافة في ذلك الوقت الدكتور عماد أبو غازي ومدير الرقابة الفنية «لبحث آلية تفعيل هذا القرار»، وكانت آخر جلسة لنا يوم 17 يناير 2011 إلى أن جاءت ثورة الـ25 من يناير 2011 وأقيلت الوزارة بالكامل، وتوقف تنفيذ جميع القرارات، وقتها قال لي وزير الثقافة الجديد عماد أبو غازي إنه لا يقدر أن يصدر القرار في ظل وجود مظاهرات تندد بحجب الإنترنت يومي 28 و29 يناير وألغي القرار منذ ذلك الوقت وحتى الحين. * ما رأيك في انتشار برامج اكتشاف المواهب؟ - للأسف، هي لا تتعدى كونها «سبوبة» جيدة للقنوات التي تقدمها، من الإعلانات التي تدر عليها أرباحا هائلة، ولا نسمع بعدها عن المتسابق الفائز، فالإنتاج القائم على البرنامج لن يصرف ما جمعه خلال البرنامج من الإعلانات في إنتاج ورعاية المتسابق الرابح، حيث يسترد الإنتاج ما صرفه بنسبة لا تتعدى الـ10%، والباقي يجمع من خلال الإعلانات، التي تعتبر الممول الأساسي لهذه النوعية من البرامج. * كيف تفسر غياب الأغاني الوطنية عن الساحة الفنية في الفترة الأخيرة؟ - الحالة السياسية المرتبكة في البلاد سبب رئيس في قلة الأغاني الوطنية، فالأغاني الوطنية بعد نكسة 1967 كانت أغاني تشجيعية، حيث كانت المشاعر واحدة والهدف واحد، أما الآن فهناك فصيل يحتفل وآخر يتقبل العزاء ولا يوجد هدف واحد تلتف الفصائل المصرية حوله، والفنان في حالة ارتباك؛ هل ينعى الشهداء أم يمجد العظماء؟ شكل الأغنية الوطنية في المرحلة الحالية لم يتشكل بعد، كما أن حالة الاستقطاب السياسي الموجودة بين فصائل المجتمع تجعل من رسالة الأغنية الوطنية أمرا بالغ الصعوبة، حيث من الممكن أن تفهم كرسالة عداء لفصيل معين. لذلك، الوضع برمته يحتاج إلى وقت حتى تستقر الأمور، بعدها سيظهر الحس الوطني في الأغاني وبغزارة. * في ظل التطور التكنولوجي المستمر، كيف ترى مستقبل صناعة «الكاسيت»؟ - أعتقد أنها ستطور للأفضل، لأن شبكة الإنترنت أعطت فرصة للنجم الغنائي لمعرفة حجم جماهيريته الحقيقية، في الماضي مبيعات شرائط الكاسيت كانت مؤشرا على حجم الجماهيرية المحلية للفنان، حيث كان أعلى معدل توزيع لا يتعدى 500 ألف نسخة كدفعة أولى، أما الآن عندما تطرح أغنية جديدة لنجم كبير يجري تحميلها بمعدل 10 ملايين مرة في أسبوع واحد، وبصرف النظر عن حقوق الملكية فإنها مؤشر على اتساع الجماهيرية الخاصة بالفنان وهو ما نحاول في جمعية اتحاد منتجي الكاسيت في مصر تقنينه بشكل قانوني، حتى يحصل كل ذي حق على حقه.