منذ أسس الملك الموحد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود هذه الدولة الفتية وسياستها الخارجية قائمة على ركنين مهمين: أولهما: العناية بقضايا المسلمين والإسهام الجاد في حلها. وثانيهما: إيثار السلم، والحلول الدبلوماسية التي تبعد شبح الحروب بما فيها من دماء وآلام. وباجتماع الركنين لعبت المملكة أدوارا مؤثرة تتناسب مع مكانتها الكبيرة في العالم. وقد تجلت هذه السياسة الراشدة عبر ثلاثِ صورٍ مهمة: الصورة الأولى: المواقف المشرفة في المحافل الدولية. حيث وقفت المملكة ومازالت مواقف صلبة دفاعا عن قضايا المسلمين، ولاسيما قضية فلسطين، وقاعات الأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية تشهد بهذا، حيث كان للمملكة صوت مسموع في القضية الفلسطينية، والإرهاب الإسرائيلي، والرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، وغيرها الكثير. ومن النماذج المشرفة الدعم الدبلوماسي السعودي الكبير للبوسنة والهرسك، حيث كانت المملكة من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال البوسنة والهرسك، وأيدت حقها في الدفاع عن استقلالها وسيادة أراضيها، وأعقب الاعتراف الدعم عبر المحافل والمنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة، وحركة عدم الانحياز، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والمؤتمرات والمبادرات الدولية ذات الصلة. الصورة الثانية: المبادرات التي تنزع فتيل الحروب. وأبرز شواهد هذه الصورة اتفاقية الطائف التي أنهت حربا أهلية لبنانية استمرت عشرين عاما طاحنة، وماتزال هذه الاتفاقية السعودية حتى اليوم ضمانة السلم الاجتماعي في لبنان. الصورة الثالثة: المبادرات التي تعزز مبدأ السلم العالمي. وقد كانت المملكة من أوائل من طرح فكرة حوار الحضارات وذلك في مؤتمر القمة الإسلامية الثامن سنة 1418هـ وفي تسعينات القرن الميلادي الماضي قدمت المملكة في الأمم المتحدة مشروع قرار يتضمن الإعلان عن برنامج عالمي للحوار بين الحضارات والثقافات الانسانية المعاصرة وبرنامج عمل، وقد صدر القرار في سنة 1998. كما أنشأت المملكة المنتدى العالمي لحوار الحضارات، ومركز الملك عبدالله للحوار بين الحضارات الذي يعد أول منظمة عالمية تجمع القيادات الدينية وصناع القرار السياسي تعزيزا للسلم والأمن. ومع كل هذا السعي الحثيث لتغليب العقل، وتسييد لغة الحوار، وترسيخ التوافق، وإشاعة روح التسامح، إلا أن المملكة لم تقف عاجزة عندما يقتضي الموقف عزما وحزما، وعندما لايفهم الطرف الآخر من دعوة الحوار إلا الضعف، فيتمادى في عدوانه. إن حماسة المملكة للحسم المسلح حين تنفد السبل لاتقل عن حماستها للحلول السلمية حين تجد لها سبيلا ولو ضيقا. ومن هذا المنطلق كانت وقفة الملك فهد رحمه الله يوم احتل صدام الكويت، ثم وقفة الملك عبدالله رحمه الله يوم أثارت إيران في البحرين الفوضى، وهاهي اليوم وقفة الملك سلمان أيده الله مع الأشقاء في اليمن تطلق (عاصفة الحزم). هكذا هي المملكةُ إذن ... دولة السلم أولا ثم الحزم .. لاتقدم على الثانية حتى يشهد العالم كله أن سبيل الأولى قد أغلقه الطرف الآخر ..