رغم أن المكتبة العالمية -والعربية بدرجة أقل- تحوي مجموعة قيمة من المؤلفات والأبحاث عن معاناة الأسرى الفلسطينيين في سجون الغاصب الصهيوني، فإن هذا العمل يثريها إلى حد كبير، كما سيتضح لاحقا. المؤلف هدفه -وفق كلمات الكاتبة- إسماع أصوات المعتقلات السياسيات وقصصهن وتواريخهن المسكوت عنها، وفي الوقت نفسه رفع درجة الوعي الدولي بمصائر أكثر من خمسة آلاف معتقل سياسي فلسطيني يعانون الآن التعذيب والمعاملة غير الإنسانية في السجون الإسرائيلية. -العنوان: الثورة الأسيرة-نضال النساء الفلسطينيات المعادي للاستعمار في منظومة السجون الإسرائيلية. -تأليف: نهلة عبدو -الناشر: بلوتوبرس، المملكة المتحدة، 2014. -عدد الصفحات: 250 تلاحظ المؤلفة أن غياب أي اهتمام أكاديمي نسوي ممأسس بحياة المناضلات ضد الاستعمار، يضع ما يسمى تقدمية المؤسسات المهتمة محل تساؤل. فالأستاذة نهلة تلاحظ أنه في الوقت الذي نشر فيه عدد كبير من الأبحاث عن الانتفاضتين الأولى والثانية ومشاركة المرأة الفلسطينية فيهما، ثمة غياب كامل لأي آداب تحلل تجارب المرأة في الكفاح المسلح تاريخيا، وتقومه، خصوصا الواقع بين ستينيات القرن الماضي وثمانينياته. كما تلاحظ المؤلفة أن ما توافر من آداب عن ذلك يصور المرأة الفلسطينية من منظور استشراقي، أي كونها جاهلة أو غير متعلمة ومعادية للديمقراطية ومقموعة قمعا إضافيا، ثقافيا ودينيا. المؤلفة متخصصة في مجال الكتاب، إضافة إلى كونها فلسطينية عاشت الاحتلال وشاركت في النضال المعادي للاستعمار، إضافة إلى أنها معتقلة سياسية سابقة في سجون العدو الإسرائيلي وهو ما يمنحها وكتابها ميزة إضافية. البروفيسورة نهلة عبدو قسمت كتابها إلى خمسة فصول تتصدرها مقدمة تشرح فيها منهجية بحثها وكيفية دمج تجربتها الشخصية في المعتقل بتجارب المناضلات، والصعوبات والمعوقات التي يواجهها البحث في الموضوع، وكيفية التغلب عليها أو تجاوزها وتفاديها أيضا. خصصت المؤلفة الفصل الأول للحديث في التجارب النضالية المشتركة (خلال الفترة المدروسة) للمعتقلات المغربيات والجزائريات واللبنانيات، إضافة إلى رفيقاتهن في إيرلندا الشمالية. " أظهرت المؤلفةعدم صحة النظرة الاستشراقية لنضال النساء الفلسطينيات التي تدعي أن الفلسطينيات المشاركات في الكفاح المسلح إما أنهن انتمين إلى من كان قد ألحق العار بعائلاتهن، أو أنهن من فئات دنيا سعين لإعادة الاعتبار لها من خلال المشاركة في النضال " في هذا الفصل توضح نهلة عبدو الطبيعة المشتركة لكل هذه الدول، وهي تجريم النضال السياسي واستخدام الجنس وجسد المرأة أدوات للتعذيب. فهي توضح أن تلك الدول وإدارات سجونها تستخدم (خلال الفترة المدروسة) جسد المرأة مكانا للاضطهاد وأداة للتحكم، وفي الوقت نفسه تقوم المعتقلات بدورهن باستخدام الأدوات ذاتها -أي أجسادهن- أداة لتحدي إدارات السجون ومقاومتها. وخصصت الفصل الثاني لموضوع فرض الإمبريالية الأميركية والغربية دوما هيمنتها على المنطقة العربية وشعوبها بهدف ضمان سيطرتها على ثرواتها. المثال الأخير لهذه السياسات -حسب المؤلفة- تدخلات الغرب في ما يسمى الربيع العربي، وعلى نحو خاص في تونس وليبيا ومصر. هذا الفصل يؤسس رابطة قوية بين ما تسميه المؤلفة فلسطين/إسرائيل، والنضال الفلسطيني وقوى الإمبريالية والاستعمار العالمية وعقيدتها العنصرية الاستشراقية التي تتجلى في كيفية النظر إلى المرأة العربية على نحو عام والفلسطينية على نحو خاص. كما يشدد هذا الفصل على أن الاستشراق يشكل جزءا مهما من أدوات الدول المستعمِرة وإدارات السجون في عملية تجريم المناضلات وتجريدهن من إنسانيتهن. يلتفت الفصل الثالث إلى مسألة "أدب المقاومة" الذي انتشر بين المقاومين الفلسطينيين بمن فيهم المقاتلات الفلسطينيات، والذي أهمل في الماضي، لكنه قاد إلى ما يعرف باسم "فكر المقاومة"، والذي انتشرت المعرفة به بفضل البحوث الطليعية لباربارا هارلو. وتلاحظ المؤلفة أن المعضلة الرئيسة التي واجهت الأبحاث الأكاديمية في المادة، الثغرة بين كاتبي التاريخ وصانعيه. وهنا تكمن أهمية كون المؤلفة شاركت في النضال الفلسطيني التحرري وجربت الاعتقال في سجون العدو. خصصت المؤلفة الفصل الرابع للحديث في تجارب المناضلات والمعتقلات الفلسطينيات تحديدا، حيث يسلط الضوء على تجاربهن ويُسمع أصواتهن. هذا الفصل -بحسب المؤلفة- يظهر عدم صحة النظرة الاستشراقية لنضال النساء الفلسطينيات التي تدعي -ضمن أمور أخرى- أن المناضلات الفلسطينيات المشاركات في الكفاح المسلح إما أنهن انتمين إلى من كان قد ألحق العار بعائلاتهن، أو أنهن ضالات ومن فئات دنيا سعين لإعادة الاعتبار لها من خلال المشاركة في النضال. وتظهر الحوارات في الفصل أن تلك المناضلات أقمن علاقات صحية مع آبائهن وأشقائهن المشاركين في الكفاح المسلح، بل أكثر من هذا، تؤكد البروفيسورة نهلة عبدو، أن تلك العلاقات الصحية هي التي سمحت لهن بالانخراط السلس في صفوف المقاومة الفلسطينية. كما يظهر الفصل والحوارات التي يحويها أن قسما كبيرا من المناضلات الفلسطينيات المشاركات في الكفاح المسلح تميزن بامتلاكهن شهادات جامعية قبل الانخراط في النضال. كما يحوي الفصل تفاصيل مختلف أنواع التعذيب والإهانات غير المسجلة التي تلحقها إدارات السجون بحق المعتقلات منذ لحظة القبض عليهن. وتؤكد المؤلفة أن السجن كونه مؤسسة دولة، يمارس منهجيات جنسانية وجنسية لتعذيب المناضلات، ويركز على أجسادهن وسيكولوجياتهن. " تؤكد المؤلفة أن بحثها هذا يمثل إسهاما في توضيح وحدة النضال المعادي للإمبريالية والاستعمار في الفترة الواقعة بين ستينيات القرن الماضي وثمانينياته،كما ساهم البحث -ضمن أمور أخرى- في توضيح أن الدولة القامِعة تستخدم السجون لإخضاع النساء " الفصل الخامس والأخير خصصته المؤلفة للحديث في مختلف أشكال النضال الذي طورته المناضلات المعتقلات في السجون، ومن ذلك الامتناع عن العمل والإضراب عن الطعام وعدم إطاعة أوامر إدارة السجن وموظفيه. بهذا حولت المعتقلات السجن إلى أكاديمية تعلم وتعليم، مما مكّن العديد من المعتقلات اليافعات من إكمال دراستهن. وتشدد المؤلفة على أن نضال المعتقلات لا ينتهي بخروجهن من السجن، حيث عليهن النضال خارجه لكي يضحين عضوات فاعلات في المجتمع بما في ذلك التوظيف والحصول على اعتراف المجتمع والعثور على رفيق حياة. تؤكد المؤلفة ختاما أن بحثها هذا يمثل إسهاما في توضيح وحدة النضال المعادي للإمبريالية والاستعمار في الفترة الواقعة بين ستينيات القرن الماضي وثمانينياته، والذي كشف الغطاء عن الإسهام النسوي في ذلك النضال بما فيه المشاركة في الكفاح المسلح. كما ساهم البحث -ضمن أمور أخرى- في توضيح أن الدولة القامِعة تستخدم مؤسسة السجون لإخضاع النساء. لا يمكن لأي عرض كان أن يغطي كافة أطروحات الكتاب الثري للغاية، وهو ما جعل المناضلة الأفروأميركية، الأستاذة والمناضلة المثابرة المعروفة عالميا أنجيلا ديفس، تقول: هذا الكتاب يظهر مدى تيه تاريخ النضال المعادي للإمبريالية عندما يتم تجاهل نضال النساء، وعلى نحو خاص نضال النساء الفلسطينيات. بإعادة تركيبها لهذا التاريخ عبر شهادات المعتقلات السياسيات الفلسطينيات، فإن البرفيسورة نهلة تقدم لنا نقدا ثاقب البصر للنسوية الاستشراقية ولعنصرية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.