أرى أن على الولايات المتحدة الأمريكية الاستفادة من قوتها الحالية في تغيير سياسات بعض الدول الداخلية بما تمليه عليها المثالية قبل الضعف النسبي لأمريكا مقارنة بغيرها من الدول العظمى. يتعذر البعض من هذا التدخل «بالنظام العالمي الجديد»، ولكني أشير إلى كتاب Henry Kissinger. المسمى World Order لأدلل أنه ليس ثمة نظام عالمي مطلق، فما يدعى بالنظام العالمي الجديد ما هو إلا امتداد لاتفاق أوروبي لم يشمل الجميع وكان متكيفًًا مع تعادل القوى الأوروبية واختلاف دياناتها وأجناسها وأعراقها، ويدعى باتفاق Westphalia ولم يكن اجتماعًا على الأسس الأخلاقية للسياسة. وقد تم هذا الاتفاق بعد قرابة المئة عام من الحروب في أوروبا، كان آخرها حرب الثلاثين عامًا، 1618-48 وتسببت هذه الحرب في موت ربع سكان أوروبا. أهم ما تنص عليه المعاهدة هو حرية الحاكم في تحديد دين محكوميه والسلامة من تدخل أي حاكم آخر في سياسة من سواه الداخلية، وقد عمم الأوروبيون هذا المبدأ اليوم ليشمل العالم كله لكن ما قد يغيب عن البعض أن السلام الذي تبع هذه المعاهدة لم يسببه قانونها، إنما نتج من توازن القوى، وكانت الحروب تقوم متى اختل هذا التوازن لتتهجم القوية على الضعيفة. ومن هذا التخلخل نتجت على سبيل المثال الحروب العالمية، وقد وقعت الثانية لعدم فهم المنتصرين في الأولى مبدأ الاحتفاظ بقوة المنهزم لكي لا يختل بغياب المنهزم التوازن، وهذا «المبدأ» طبق على فرنسا بعد حروب نابليون- الإمبراطور الفرنسي -على أوروبا، ومهد غيابه همجية هتلر. ولكن التوازن قد اختل في العهد الحديث وحلت محله السطوة الأمريكية، ومن مثالية أمريكا أنها لم تستفد من هذه الفترة للإتيان بمصالح توسعية، بل أيدت نشر الديموقراطية والحرية التجارية. ولكن بعض الكتاب مثل Richard Hass في مقال The Unraveling: How to Respond to a Disordered World. يرى أن نجم الولايات المتحدة الأمريكية في أفول، والعالم يتحرك نحو الفوضى بسبب قيام قوى جديدة، ويتفق مع نظرية الأفول هذه Fareed Zakaria. في كتابه The Post American World. أما أنا فأرى ألا تتأخر أمريكا عن التدخل في السياسات الداخلية للدول الأخرى بحجة النظام العالمي الجديد، والذي نبع من Westphalia. وأن تستمر في المثالية التي دعى اليها الرئيس الأمريكي Wilson والكثير قبله وبعده في التعامل مع الموازنات الأوروبية والسياسة العالمية. إذ أن الجيش الأمريكي سيستمر في كونه أقوى جيش في العالم حتى بعد الهبوط الاقتصادي النسبي لأمريكا مقارنة مع سواها من الدول الصاعدة نحو الأعظمية كما قال Fareed Zakaria a في كتابه المذكور آنفًا. أنتجت أمريكا الأمم المتحدة وعليها الاستمرار في المثالية وعدم التواكل باسم الأمم المتحدة التي لم تكن لتقوم دون المثالية الأمريكية.