هذا العالم الذي نعيش فيه مليء بما يثير الكآبة والتوتر وكل الأعراض والأمراض النفسية والعصبية. تخرج من بيتك إلى الشارع فتلتهب أعصابك من جراء الزحمة الخانقة وتجاوزات قائدي السيارات من حولك. تصل المكتب فتجد أكواماً من المعاملات التي تنتظر منك إجراءات سريعة لاستكمالها أو تجد طوابير طويلة من المراجعين نافدي الصبر الذين يتوقّعون منك خدمة سريعة بصرف النظر عن تعقيدات المواضيع التي يراجعون بشأنها. بالطبع، الحياة مليئة أيضاً بكل ما هو جميل وفاتن، لكن الضغوط التي يتعرض لها الإنسان في هذا الزمان تحجب عنه أحياناً الجمال والإيجابيات فلا يرى إلا ما يعكر المزاج ويبعث على الكآبة. وقد أصبح مرض الاكتئاب من أمراض العصر العاتية. فمرض الاكتئاب هو المرض الثاني بين الأمراض النفسية في أمريكا وتبلغ نسبته بين الذكور حوالي 6 بالمائة وبين الإناث ما يقارب 11 بالمائة، أما في المملكة فتبلغ نسبة مرضى الاكتئاب حوالي20 بالمائة من المرضى النفسيين! لذلك يمكن أن نقول أن مرض الاكتئاب هو مرض هذا العصر المطحون بالحروب والمجازر والمجاعات والمآسي التي تلاحق أخبارُها إنسان هذا الزمان صباح مساء حين يشاهد شاشة التلفزيون أو يطالع الصحف أو مواقع الاتصال في هاتفه الذكي. ومنذ أيام تابع العالم مأساة سقوط الطائرة التابعة لشركة «جيرمان وينغز» الألمانية فوق جبال الألب، حيث تبيّن أن السبب هو أن مساعد الطيار كان مصاباً باكتئاب حاد لدرجة دفعته إلى اتخاذ قرار بالانتحار فقام، متعمداً، بإسقاط الطائرة بركابها الذين بلغ عددهم 150 راكباً! وقبل أيام انتحر في أمريكا واحدٌ من أشهر الأخصائيين في تجميل البشرة بسبب الاكتئاب الحاد الذي كان يعاني منه. وكانت أشهر المطربات وسيدات المجتمع الثريات يترددن على ذلك الخبير ويدفعن له أموالاً طائلة بحثاً عن الجمال والسعادة في عيادته التي لم تمنحه الاطمئنان النفسي وإن كانت قد منحته المال الذي جعله من كبار الأغنياء في حقله. هذه الأخبار المفزعة تجعلنا نتساءل مرة تلو المرة عن حالة المرضى الذين يعانون بصمت من مرض الاكتئاب في مجتمعنا وما يلاقونه من صعوبات في سبيل الحصول على الرعاية النفسية في مجتمع ما زال يستعيب الأمراض النفسية! ففي كثير من الأحيان يظل مريض الاكتئاب يعيش حالة من المعاناة الأليمة الصامتة حتى ينفجر المرض ويدفع بالمريض إلى الانتحار. نطلب من وزارة الصحة أن تهتم بالأشخاص الذين يعانون من هذا المرض بتوفير مراكز الرعاية التي تقدّم خدمة تحترم خصوصية المرضى، كما نطلب منها إطلاق حملات توعية عن المرض وكيفية التعامل معه وإرشاد المرضى إلى الجهات التي يمكن أن يلجؤوا إليها لمساعدتهم. ضحايا مرض الاكتئاب، وكل المرضى النفسيين، بحاجة إلى لفتة من وزارة الصحة ومن جميع الجهات الصحية. فالمرض النفسي في كثير من الأحيان أشد فتكاً من المرض العضوي.