ألحقت «شعبة المعلومات» في قوى الأمن الداخلي ضربة موجعة بالمجموعات الإرهابية المسلحة في شمال لبنان قد تكون الأقسى منذ بدء المواجهات بين القوى الأمنية الشرعية وهذه المجموعات وذلك بتوقيفها أحد أبرز قادة «داعش» الشيخ خالد حبلص الذي قاد الاعتداءات ضد الجيش اللبناني في المنطقة الممتدة ما بين بلدتي بحنين والمنية في قضاء الضنية - المنية، وقتلها أسامة منصور أحد قادة «جبهة النصرة» المسؤول إلى جانب شادي المولوي، المتواري في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، عن الاعتداءات التي استهدفت الجيش في باب التبانة في طرابلس. وعلمت «الحياة» من مصادر أمنية رسمية بارزة بأن حبلص (من بلدة الحبالصة في عكار) كان أخضع من قبل «شعبة المعلومات» ومنذ أكثر من أسبوعين إلى مراقبة أمنية وتقنية عالية المستوى بلغت ذروتها لحظة انتقاله إلى طرابلس، فيما منصور المتواري عن الأنظار لم يخضع لمثل هذه المراقبة إلا في اليومين الأخيرين في ضوء توافر معلومات بأنه يتنقل سراً في أحد أحياء طرابلس. ولفتت المصادر نفسها إلى أن «شعبة المعلومات»، بقيادة رئيسها العميد عماد عثمان، تمكنت من خلال رصدها التقني تحديد أماكن تواجد حبلص، وقالت إن دقة الرصد التقني والملاحقة الأمنية مكنتاها من تحديد البقعة الجغرافية التي يتواجد فيها أو تلك التي ينتقل إليها. وأكدت المصادر عينها بأن «شعبة المعلومات» نجحت أخيراً في تحديد المكان الذي لجأ إليه حبلص لحضور اجتماع مع مجهولين لم تعرف هويتهم، وقالت إن العناصر التابعة للقوة الضاربة فيها نجحت في إحكام السيطرة على المكان وتحديداً حول الشقة التي قصدها في باب الرمل في طرابلس. وقالت إن القوة الأمنية وضعت خطة قادتها إلى إطباق السيطرة عليه من خلال نصب كمين أمني لا يستطيع الهروب منه وهذا ما حصل لدى مغادرته مع سائقه أمير الكردي المبنى الذي تقع فيه الشقة، وكانا بداخل سيارة من نوع «كيا» وتمكنت من توقيفهما واقتادتهما القوة فوراً إلى مقر «شعبة المعلومات» الواقع في مبنى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي قرب مستشفى «أوتيل ديو» في بيروت. وكشفـــت بأن سيارة أخرى من نوع «أوبل» في داخلهـــا شخصان كانت تتعقب السيارة التي تقل حبلص وسائقه وأن الشخص الذي كان إلى جانب السائق سارع إلى إطلاق النار من مسدسه من نوع «غــلوك» في اتجاه إحدى المجموعات الأمنية ما أدى إلى إصابة اثنين أحدهما جروحه طفيفة والآخر دقيقة، ولم يكن في وسع بقية العناصر في هذه المجموعات سوى الرد على مصادر النيران فأردت مطلق النار وسائقه. وتبنين أنهما كانا يحملان هويتين مزورتين، لكن سرعان ما تم التعرف إليهما وهما منصور وسائقه أحمد الناظر فيما تم نقل المصابين من «شعبة المعلومات» إلى أحد المستشفيات في بيروت لتلقي العلاج بعد أن أجريت لهما الإسعافات اللازمة. حبلص لم يُصب ونفت المصادر ما تردد من أن حبلص أصيب بجروح من جراء إطلاق النار عليه لحظة توقيفه وقالت انه وسائقه في صحة جيدة وان التحقيقات بوشرت معهما فور توقيفهما في مبنى المقر العام خصوصاً ان العميد عثمان شخصياً يحيط به كبار الضباط في الشعبة تابع التفاصيل الميدانية منذ لحظة فرض الحصار على حبلص إلى حين توقيفه وظل على تواصل مع وزير الداخلية نهاد المشنوق والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص. ولدى بدء التحقيق مع حبلص نصح بضرورة التعاون مع التحقيق الأمني بإشراف النيابة العامة التمييزية لا سيما أن «شعبة المعلومات» كانت أعدت ملفاً متكاملاً للجرائم التي ارتكبها إضافة إلى تحريضه باستمرار على الجيش وقوى الأمن. وأكدت هذه المصادر أنه عثر في حوزة منصور والسيارة التي كان في داخلها على المسدس الرشاش الذي أطلق منه النار على العسكريين وقد أطلق منه رشقاً (30 طلقة) إضافة إلى حزام ناسف كان مجهزاً للتفجير وقد زنر به خاصرته وقنابل يدوية. وحاول أقرباء لمنصور التجمع في أحد الأحياء الدخلية في طرابلس احتجاجاً على مقتله لكن وحدات من الجيش سرعات ما حضرت إلى المكان وانتشرت بكثافة وعمدت إلى تفريقهم. العلاقة بين حبلص ومنصور وفي سياق إلقاء الضوء على العلاقة القائمة بين حبلص الذي أوقف وكان حليق الذقن مع تغيير في بعض ملامح وجهه وبين منصور، قالت المصادر أنهما من بلدتين في عكار الأول من الحبالصة والثاني من ببنين (وهو في العقد الثالث من العمر) وأن تعاونهما الأمني لتنظيم الاعتداءات ضد الجيش والقوى الأمنية بدأ قبل الهجوم الذي قاده حبلص ضد الجيش بين بحنين والمنية في قضاء المنية - الضنية. وكشفت بأن حبلص قاد الاعتداء على وحدات الجيش الذي سقط فيه عدد من الشهداء بناء لطلب منصور الذي كان محاصراً في باب التبانة ومعه المولوي، وقالت إن حبلص الذي كان إماماً لمصلى هارون في طرابلس وأقام في المنية لم يتنكر يوماً لانتمائه إلى «داعش»، بينما منصور كان ينتمي إلى جبهة «النصرة» ويتلقى أوامره مباشرة من «أمير» يقيم في منطقة القلمون في داخل الأراضي السورية. كما كشفت بأن منصور لم يكن أثناء وجوده في باب التبانة يحرك ساكناً قبل العودة إلى أميره في «النصرة» لأخذ مشورته وتنفيذ ما يأمره به. ولم تستبعد المصادر أن يكون للتناغم القائم بين حبلص ومنصور علاقة مباشرة في إعدادهما للقيام بتحرك أرادا منه أن يربطا قضاء الضنية بطرابلس عبر باب التبانة تمهيداً لإعلانهما عن إقامة «إمارة إسلامية» وفي حسابهما أن سيطرتهما على الأرض في هاتين المنطقتين ستدفع بأعداد كبيرة من الشبان المتحمسين لمبايعتهما على أن يتمددا لاحقاً في اتجاه عكار. لذلك تعتقد المصادر أن في حوزة «شعبة المعلومات» الآن صيداً أمنياً ثميناً بتوقيف حبلص لما لديه من أسرار أمنية وأسماء لعدد من المنتمين إلى المجموعات الإرهابية الذين لا يزالون متوارين عن الأنظار. وتقول إن تعاون الشعبة مع مخابرات الجيش سيساعد على نبش كم كبير من الأسرار لما لديهما من موقوفين كانوا يناصرون حبلص إضافة إلى مناصرتهم منصور الذي لم يخف انتماءه إلى «النصرة» بعد أن آمن بفكر «القاعدة» من دون أن يرتبط بها تنظيمياً بصورة مباشرة. ناهيك عن أن التحقيق مع حبلص سيؤدي إلى وضع اليد على لائحة بأسماء «المتطوعين» من طرابلس والشمال الذين كان يتولى شخصياً تأمين انتقالهم إلى سورية للقتال إلى جانب «داعش» وذلك عبر مرفأ طرابلس إلى داخل الأراضي التركية ومنها يتم نقلهم إلى سورية. ماذا كان يخطط حبلص مع منصور؟ كما أن التحقيق مع حبلص سيركز على الأسباب الكامنة وراء اجتماعه بمنصور الذي لم يتأكد وجوده إلا بعد مقتله، وهل كانا يخططان للقيام بعمل أمني ما لا سيما أنهما كانا يقفان على رأس الجهاز التنفيذي الذي يخطط لتنفيذ عمليات انتحارية من خلال شبان يجري تحضيرهم لهذا الغرض ويتم تأمين العبوات لهم وما عليهم إلا نقلها للمكان المحدد لهم من قبلهما، وبالتالي لا يمكن استبعاد الطابع التنفيذي الذي استدعى وجودهما في مكان واحد. ومع أن وحدات الجيش وقوى الأمن المنتشرة في طرابلس وبعض مناطق الشمال اتخذت مجموعة من التدابير الاحترازية تحسباً لردود الفعل على مقتل منصور وتوقيف حبلص، خصوصاً أثناء تأدية صلاة ظهر الجمعة أمس في المساجد، فإن الصيد الثمين الذي حققته «شعبة المعلومات» ما هو إلا رسالة موجهة للمجموعات المتطرفة وفيها أن التطرف ممنوع وأن القوى الأمنية لن تتهاون مع كل من يحاول الإخلال بالأمن أو التحريض على الجيش والمؤسسات الأمنية الأخرى. واعتبرت مصادر طرابلسية مواكبة لردود الفعل الطرابلسية على العملية الأمنية بأن «شعبة المعلومات» نجحت في استئصال كبرى الخلايا الإرهابية التنفيذية من دون أن تتهاون في ملاحقة من غرر بهم من الشبان وقالت إن ما حصل من شأنه أن يدعم ويعزز الخطة الأمنية في طرابلس ويقطع الطريق على من يحاول إجهاضها للعودة بالوضع الأمني في عاصمة الشمال إلى نقطة الصفر.