إنّ المشكلات التي يواجهها الكاتب العربي ليس لها: حدود!. فمن أول السطر تجيء حرية التفكير وحرية التعبير. ووحده هذا الاستهلال كفيل بأن يجعل من يودّ الكتابة في الشأن العام يصرف النظر مرددا بينه وبين نفسه مقطوعة الشاعر الشعبي الكبير حمود البغيلي التي نشرتها له جريدة (القبس) الكويتية في زاوية صنعتْ من أجله اسمها (ملحوظة) تتسع لعدد قليل من السطور ويعتمد نجاح مثل هذه الزاوية على عاملين: الأول - بلاغة الشاعر في صياغة المعنى بقالب صغير ولكنه مفتوح على كل الاحتمالات، والثاني - ثقة الجريدة به كإنسان لا يبيع بضاعة ولكنه يمارس الإبداع من خلال قهر الضغوط الـSTRESS التي يكون واقعا تحتها تقول مقطوعة البغيلي: (لا تفكّر! خلّ الدولة تفكّر عنّك! أو.. بالأحرى: فكّر إنتْ بسّ خلّ الدولة !) هذه البلاغة التي يظن منتقدو الكتاب الملتزمين بالكتابة الأسبوعية أواليومية أنهم يمارسون تسطيح الأفكار والمعاني و أنهم يكتبون عفوَ الخاطر - أي: لا يتّبعون طقوسا معينة للكتابة. والمعروف لنا ومن خلال تاريخنا الثقافي الطويل والكبير أن من أوجز أصابَ، ويقول المفكر العربي الكبير (عبدالله العروي) إن كثرة تنقيب الكاتب بحثا عن الأنسب والأكثر عمقا يصاب بالدوار ويكثر منه الخطأ!. إنني ككاتب، أكتب نصوصا قصصية. فيصبح من شروط قبولي لدى القارىء أن يقرأ لي كل شهرين أو عام أو نحوهما. وأن أصافحه عبر كتاب قصصي يحتوي خلاصة عصفي الذهني والجسدي طوال عامين أم ثلاثة. ولكنني كمشتغل بالكتابة لا أكتفي بقراءة الكتب ولا حتى إضافة الصحف والمجلات إليها. بل إنني أشاهد الصورة حية عبر التلفزيون الذي يعتبر أهم مصدر للمعرفة الآن وبلا مقارنة مع أي وسيلة أخرى! فأكون - رغما عني - شاهدا ومتلقيا وعلى علم بمستجدات ربما لا تعنيني ولكنها تمّ إدخالها الى ذاكرتي، والذاكرة جهاز معقد من إعجاز الخالق العظيم حيث يضم مليارات اللفائف التي تمثل - الأشرطة أو مواقع التخزين مثلما يحدث مع الكمبيوتر! - وهنا لا تكفيني كتابتان أو عدد صغير من مرات الكتابة لأوصل نفسي للقارىء الذي يظل بوصلة لا يمكن التنازل عنها. وعصرنا الآن، بدون مساحيق وبدون تبريرات أو ذرائع - مختَلَقَة - هو: عصر السياسة بلا منافس. إن ميدان السياسة الدولية هو الزمن الحضاري والثقافي والمشير إلى معنى وجودنا، بما يكتنف هذا المعنى من تفسيرات وتبريرات ومدارس فلسفية مختلفة. إن وجودنا هو رهن بما نتقنه من علم وتقنيات السياسة وعلم الاجتماع السياسي، وبدون هذا تصبح ممارستنا لحياتنا غير جديرة بالاستمرار أو غير قابلة للرضوخ لها وكأنها القدر الذي لا يمكننا تغييره. والإبداع يتنبأ للحراك السياسي قبل سنوات كثيرة من وقوعه مثل رائعة (جون شتاينبك) رواية (1948) التي تقرأها الآن فتظنها تتحدث عن عام 2003 الماضي حيث تمّ غزو العراق و تتابعت التداعيات بعده فكأن أحداث الرواية تتكلم عن تلك البرهة الحضارية الرديئة من أحداث العالم ومتغيرات الكون والكائنات. وتلك لعمري هي قيمة الخطاب الإبداعي ونقطة تميّزه، وتفردّه، وفتنته. وإلى لقاءات أكثر وأكثر...