×
محافظة المنطقة الشرقية

اختتام الحملة التثقيفية لطلاب طب الأسنان بالطائف

صورة الخبر

جاءني السيد عَمْرو وهو رجل ميسور ذو ثقافة واطلاع واسعين، يطمئن على نتائج العينات التي أخذتها له بواسطة منظار القولون قبل أسبوع من زيارته هذه. نظرت إليه وأنا أعلم مسبقا بالنتائج حتى قبل أن أطلع على تقرير طبيب المختبر وعلم الأنسجة أنها عينات سرطانية وأخبرته أنه يعاني من سرطان المستقيم وأنه يحتاج الى علاج مطول قبل الشفاء بإذن الله من مرضه هذا المحدود الذي بلطف الله لم ينتشر بعد ولم يغادر حدود جدار المستقيم. فعلاجك يا سيد عَمْرو يبدأ بالإشعاع ثم جرعات كيماوي ثم استئصال جراحي 8 أسابيع بعد الانتهاء من الإشعاع ثم علاج كيماوي مرةً أخرى لمدة يحددها طبيعة الورم السرطاني ومدى شراسته وانتشاره واستحمالك للجرعات الكيماوية. ولأن الأستاذ عَمْرو جيد الاطلاع فقد سألني هل سأفقد القدرة على الإنجاب جراء هذه الخطة الجراحية، هل يمكنني تفادي العلاج الإشعاعي وهناك طرق جراحية تخفف من الضرر الذي قد يحصل للأعصاب جراء الجراحة التقليدية وهل صحيح أن أداء الجراحة بالرجل الآلي أقل ضررا على الأعصاب المغذية للأعضاء التناسلية من الطرق الجراحية الأخرى كالمنظار مثلا؟! قلت له سيد عَمْرو: ان أسئلتك هذه عبارة عن فصول دراسية لدارسي برنامج زمالة جراحة القولون والمستقيم الذين يقضون 3 سنوات لكي يتعلموا أسرار المهنة مما يصعب الرد على كل هذه الأسئلة في الخمس عشرة دقيقة المحددة لك في العيادة وحفاظاً على وقت العيادة وتفاديا لظلم المرضى الذي يأتون بعدك.. أعدك أن أكتب عن هذه الموضوع على مدى أسبوعين أو أكثر على صفحتي في جريدة الرياض وسأبدأ من الأسبوع القادم. وها أنا ذا أفي بوعدي لك سيدي الفاضل وأقول وباسم الله أبدأ انه في أواخر سبعينيات القرن العشرين المنصرم، طور العلماء اليابانيون آلة تشبه الإنسان في وظائفه الجسدية ومهاراته الحرفية التي يقوم بها يومياً وأسماها الرجل الآلي (الروبوت). كانت استخدامات هذه الآلة في البداية محصورة على صناعة السيارات اليابانية وقد تصور البعض أن هذه الآلة ستقضي على وجود العمال في هذه المصانع، والتي نجحت الى حد كبير في الاستغناء عنهم في أقسام كثيرة من خطوط الإنتاج مما قلص من فرص العمل وتسبب في فقدان الكثير لأعمالهم اليومية. وفي بدايات تسعينيات القرن الماضي أيضاً، انتقلت حمى تكنولوجية الرجل الآلي (الروبوت) الى طب وجراحة الجسد البشري. في عملية إيداع وتوزيع الأدوية في صيدليات المستشفيات الكبرى. بل تعدى ذلك لما هو أكبر من مجرد العمل كفني صيدلية الى أن يكون احدى الأذرع الرئيسية لمساعدة الجراح في أداء عمله الجراحي. كان أول استخدام سريري للروبوت في الجراحة العامة كنظام خدمة تحديد المواقع المثلى في الجراحات المنظارية – المعروف باسم أيسوب - من شركة كمبيوتر موشن في مدينة سانتا باربرا الأمريكية. في عام 1994م، وافقت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على استخدام نظام أيسوب كحامل كاميرا حاسوبي آلي (روبوتي) في العمليات المنظارية الجراحية. بعد ذلك الحين، طورت الشركة نظام الحركة الجراحية الحاسوبية الآليه المسمى بزيوس. سمحت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) باستخدام نظام زيوس في نطاق ضيق ومحدود وهو كمساعد للجراح فقط. خلال هذه الأثناء، قامت شركة انتيوتيف بتطوير نظام دافينشي الآلي كأول نظام تخاطب وتواصل عن بعد بحيث يكون الرجل الآلي دافينشي يعمل العملية عن طريق تلقي المعلومات عن بعد من الجراح. لم يدر في ببال أحد أبداً أن يقوم جرَّاح يقبع في غرفة عمليات بمستشفى في دولة ما بإجراء جراحة لمريضة ترقد في غرفة عمليات بمستشفى آخر في دولة أخرى تبعد عشرات الآلاف من الأميال. فقد أثبتت التجارب التي عملت على دافينشي أنه نظام ثابت وجيد للاستخدام في عمليات الجراحة العامة عامةً وجراحات البطن خاصةً. ولقد تحقق هذا الحلم فعلاً. ففي يوم السابع من سبتمبر من عام 2001م، قام الجرَّاح الفرنسي جاك مراسكو من غرفة في إحدى ناطحات سحاب مدينة نيويورك الأمريكية، بإجراء عملية استئصال المرارة بالمنظار الجراحي لمريضة ترقد في مستشفى بمدينة سترازبورغ الفرنسية، مستخدماً تقنية الرجل الآلي لأول مرة في عالم الجراحة. وتناقلت وكالات الأنباء العالمية هذا السبق الجراحي العظيم وسط دهشة عارمة من قبل الأوساط الطبية العالمية. وقد أطلق الجرَّاح مراسكو وفريقه الطبي على هذه المغامرة اسم «عملية ليندبيرغ»، تيمناً بالطيار الفرنسي ليندبيرغ الذي قطع المحيط الأطلسي من باريس إلى نيويورك بالطائرة لأول مرة دون توقف. وفي نهاية نفس العام (2001)، تم استخدام الرجل الآلي في جراحة القولون والمستقيم لأول مرة. بدأ عدد الحالات التي تتم عن طريق الرجل الآلي في ازدياد من 3 حالات في عام 2002، الى 6 حالات في 2003، حالتان منها لسرطان القولون والمستقيم. إن استخدام الرجل الآلي في الجراحة (وعن بعد)، دفع البعض إلى المغالاة في تصور دوره، حتى ذهب البعض إلى حد التصور أنه سيخلي المستشفيات من الأطباء. بعدها قام دكتور كونر ديلاني الذي أعرفه جيدا بعقد دراسة قارن فيها بين جراحة القولون والمستقيم المنظارية التقليدية وجراحتها بالرجل الآلي. وجد ديلاني والفريق الطبي المشارك معه في الدراسة أن الرجل الآلي يتميز بقاعدة كاميرا مستقرة تقضي على الهزة جراء مسك الكاميرا من الجراح المساعد وبتصوير ثلاثي الأبعاد، وبيئة عمل ممتازة، وثبات ذراع الرجل الآلي مقارنة مع يد الإنسان، والقدرة على الحركة والمناورة داخل البطن بنفس القدرة التي تتميز بها يد الجراح، وخلص إلى أن التقنيات الروبوتية يمكن أن تحقق نفس النتائج المتوقع منها أثناء وبعد الجراحة مقارنة مع تقنيات المناظير التقليدية ولكنها ليست أفضل ولا أقل ضرراً من استئصال المستقيم بجراحة المنظار. انتقلت الحمى بعد ذلك من أمريكا الى أوروبا وبالتحديد ألمانيا التي صدر من أحد مستشفياتها عام 2005، تقرير عن نجاح خمس عمليات قولون ومستقيم تم عملها بواسطة الرجل الآلي. في عام 2008 صدر أول تقرير آسيوي عن عمليات الرجل الآلي الجراحية. وفي نفس العام نشر دكتور سبنوجليو دراسة عن أول خمسين عملية جراحية روبوتية لأمراض القولون والمستقيم، قارن بينها وبين 161 حالات استئصال جراحي لأمراض القولون والمستقيم بالمنظار. كان استنتاجهم أن الجراحة الروبوتية لأمراض القولون والمستقيم كانت مجدية وآمنة لكنها تستغرق وقتا أطول لإنهاء عمليات الرجل الآلي.. وللحديث بقية في قابل الأيام بإذن الله تعالى.