من المعلوم أن التجمعات الرئيسة أربعة أنواع، وهي تشمل الأمة والقوم والفصيلة والعشيرة، فالأمة هي التي لها عقيدة واحدة كالأمة الإسلامية، والقوم هم الذين تجمعهم لغة واحدة كالدول العربية. أما الفصيلة فهي أصغر الوحدات القبلية، وجاء عنها قوله تعالى : ( وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ ) المعارج (13) ، والعشيرة هم بنو الأب الاقربون وجاء عنها قوله تعالى : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) الشعراء (214). بعد هذه التعريفات، فإن الأمة كما هو معروف كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وربما هذا ينطبق على القوم كذلك. وبالفعل هذا ما حصل لجسد الأمة في مباريات الملاكمة على حلبة القوم في ربيعه العربي المشهور ، فرأس القوم عانى الأوجاع، جراء تلك اللكمات العنيفة الطائشة التي أصابته وأدت الى خلع أربعة من أسنانه بما فيها ضرس العقل الذي يبزغ عادة مع مرحلة البلوغ والرشد، ونتج عن ذلك اصابة الجسد بالحمى، وما أدراك ما الحمى، فهي ترفع درجة حرارة الجسم الداخلية، ثم تبدأ سائر أعضاء الجسد بالسهر طوال الليل. ومريضنا القومي هذا، فحصه الأطباء وقرروا أنه في حاجة إلى عملية جراحية، نسبة فشلها 99%، لأنه الرقم الوحيد الذي تعود القوم على سماعه في أحلك مواقفهم المصيرية، لكن أشار عليهم حكيم أفريقي - خاض نفس التجربة تقريباً يدعى ابن مانديلا - بوصفة مثالية في بداية ربيعهم فقال لهم: تسامحوا وترفعوا عن الاحقاد كما فعلنا مع الرجل الأبيض الذي استعبدنا في أفريقيا، وبهذا وصلنا الى النجاح ولم يستمعوا له، ليس عنادا أو عدم رغبة في الخلاص من الفوضى، بل كانوا يعملون في إطار نظام ديناصوري عفى عليه الزمن، وكانوا مشغولين بكلمات يعشش فوقها أطنان من الغبار ، كالكلمات الدبلوماسية التي يتبادلها أبناء باقية القوم - مثل (تبادل وجهات النظر، ومناقشة القضايا المشتركة) - في أوقات تمر فيها الأمة بأوج أزماتها. وهكذا فعلوا، ثم قاموا بوضع العربة أمام الحصان، وهرولوا خلف ديموقراطية ( كولن باول) الكسيحة، ذات الروائح الكريهة، بمفاهيمها التي تعبر القارات لتطبق وسط الحارات زنقة زنقة. في هذه الأجواء المشحونة اختلط الحابل بالنابل، وتحول الصهيل في إعلام القوم إلى نهيق، ثم أصبح كل عضو في جسد الأمة يغني على ليلاه بعود مرتخية أوتاره لا تضبط النغم ، وكثرت الأبقار العجاف في أمتنا الوسطية تلك الأبقار التي ترفس بقوة وتستهلك علفا كثيرا ولا تدر حليبا أبداً ، وأصبحت أبواب البيت القومي مهجوجة يعني مفتوحة على الاخر ،وصار القاصي والداني، الروسي والفارسي، يتدخل في أخص خصوصياته بمفاهيم عوجاء وأرجل عرجاء. ولكن عالمنا لا يعرف المستحيل، فبعد تلقيه تلك اللكمات العنيفة خرت العبقرية من منخريه، ثم أطلق ساقيه للريح وأسس الخطط لمكافحة الإرهاب، وكمم الأفواه وسلب الحريات، وقام بمحاسبة الناس على الهوية والمعتقد ، واستخدم الاسلحة الكيماوية ضد شعبه، وحينها أرغى وأزبد حارس الحرية، صاحب شعار الحمار الديموقراطي بمقولته الهوليوودية الشهيرة - نسبة الى هوليوود - قائلا : ثمة خطوط حمراء ينبغي عدم تجاوزها ، قالها بدبلوماسية معروفة كوسيلة للتعبير عن أخبث النوايا بأجمل العبارات، وكأنه يخاطب أمة لا تعرف الفرق بين قميص نبي الله يوسف عليه السلام وقميص مونيكا الشهير . عندها قام صاحب ما يسمى جبهة الصمود والتصدي وأعلن العناد والتحدي، ثم تجاوز كل الخطوط الحمراء، بل تجاوز كل الخطوط بكل الألوان وبكل انواعها الرئيسية والتكميلية والثانوية، واستخدم في مذابحه السلاح الكيماوي ضد شعبه. بينما العالم كله بمجالسه الدولية وقف أمام هذه المذابح صامتا متفرجا، وكأنه مات موتاً دماغياً في ظل هيمنة الدب السيبيري على قرارات مجلسه الموقر ، وسيطر ما يسمى الفيتو على المواقف النبيلة، وأعني سيطرة ذلك الفيتو الخسيس الذي مزق حقيقة الثوب الكاذب الذي يحرص المجلس على أن يظهر به أمام الناس. وفي هذه الاجواء الغريبة، وبعد أن تورط بطل ما يسمى الصمود والتصدي في فعلته، أخذ يعض بنان الندم، ثم رفع الراية البيضاء ، وأخذ يستنجد بـ جنيف ليسوي المشكلة على نحو يحفظ ماء وجهه وكرامته إن كان قد بقي منها شيئاً. ثم جاء الفارسي بعقليته الطائفية، ومعه الحوثي عميل الحوزة الايرانية ليشعل الفتنة في الاراضي اليمنية، لكن تصدى لهم أبطال الأمة العربية، بعاصفة حازمة قوية، لتمنع انهيار القوم وتفتيت الأمة، ولتوقف تبديد الفصيلة ونهاية العشيرة!.