×
محافظة المدينة المنورة

نبارك جهودكم ونتطلع لما تعودناه منكم

صورة الخبر

خرج كاتب عربي عن النص، وجدف ضدّ التيار حين قرر أن يكتب تنويمات للأطفال كي يسهروا وليس كي يناموا لأنهم كما رأى ليسوا في أحضان آمنة، وبدت تلك الصرخة كما لو أنها يأس من الكبار والصغار معاً ومن الماضي والمستقبل أيضاً. ولم يخطر ببال ذلك الكاتب أن زمناً عربياً سيأتي تكتب فيه تنويمات للبالغين وتبث عبر وسائل النشر والإعلام وتنويمات البالغين ليست أغنيات حريرية وفيروزية منغمة، بل هي ثقافة ملغومة بكل مضادات الحرية والكرامة. فقد تجرأ البعض ممن كانوا يهمسون على استحياء فأصبحت أصواتهم جمهورية وثمة أبواق تضاعف من صخبها وضجيجها. ومن هذه التنويمات الزعم بأن ما لحق بالعرب والعروبة من أضرار وانحسار وانكسار، سببه ذلك الخطاب القومي الرومانسي الذي رفع شعار الوحدة والتكامل الوطني. ومما يقوله هذا الخطاب الملغوم إن العرب كانت ستصلح حالهم لو أنهم كانوا واقعين وتعاملوا مع ظروفهم بتأقلم وعقلانية، وخلاصة هذا الخطاب هي أن العرب كانت خطيئتهم أنهم تجرأوا على أن يحلموا ويتخيلوا ويشعروا بأن ما هم عليه ليس قضاء وقدراً لا فكاك منهما، وأن بالإمكان أن تكون حالهم أفضل. ولم يحدث من قبل أن عُيّر الناس بالحلم، وكأن من يقترف هذا الفعل يخون الأمر الواقع ويحاول التحليق عالياً بجناحين من ورق أو شمع، فيلاقي مصير عباس بن فرناس أو ديدالوس الإغريقي. فكيف أصبح ما كان مهموساً على استحياء وبحذر، صاخباً ومصحوباً بالطبول في هذه السنين العجاف. هل لأن هؤلاء هم الدّودة التي تنهش التفاحة من أحشائها، أم أن الغزاة ومن يسيل لعابهم الذئبي على هذا الوطن يقدمون لهم الحماية؟ يبدو أن لكل زمان عربي غساسنته ومناذرته، وأبطاله وعلاقمته فثمة من صدقوا الحكمة الموروثة من جد وجد، مقابل آخرين حرفوها فأصبحت من هدّ وجد. كنا في صبانا نردد تنويمة من طراز فريد كتبها أحد الشعراء لأطفال الجزائر أثناء الثورة، ومرت الأعوام والأيام مثقلة بكل محاصيل الشقاء وصارت تنويمة الأطفال كابوساً أما تنويمات البالغين فهي الآن أشبه بوصفة سامة هدفها تجريف الوعي والعدميّة الوطنية، بحيث يعيش الإنسان بالعلف وحده وحين يبلغ التخمة يقول: ليكن من بعدي الطوفان.