حطمت الأنسانوية الحديثة أسطورة ( العقل ) الكلي ، وأسطورة القوانين والمسلمات الفطرية ، فالفكري ليس هو الديالكتيك الهيجلي المتصالح مع الأضداد ، بل هو الاختلاف المتخالف ،يفنى ويتجدد بالاختلافي على حد تعبير ( جيل ديلوز)، ولا يختلف ذلك التعبير عن تعبير التاريخ أيضا عند ( ألتوسير) فالتاريخ عنده لعبة معقدة من بنيات مختلفة ومتخالفة لها قانونها الخاص . لقد تفجر (الوحدوي ) كما يسميه سامي أدهم ( انفجار العقل أواخر القرن ) لتتطاير مع الانفجار شظايا فلسفة هيجل ونيتشه وغيرهم . هكذا تحول الفكر والتاريخ ليتحول معهما الخطاب /النص ، ولكننا في مجتمعنا نجد أن هناك قوى إعلامية تتمرغ في وحل النرجسية التي تسقط كل الاختلافات لتظهر الآراء في صورة تبعية شنيعة وبشعة . في العصر الذي تعددت فيه وسائل التواصل الاجتماعي نجد أن هناك من لا يجد في التواصل سوى إن لم تكن معي فأنت ضدي ، متناسيا بأن الأشياء العظيمة تقوم على العناصر المختلفة . أصبح ما يحدد وجهات النظر ( فلو / ريتويت ) ومن ثم تبدأ حكاية قطيع يأتلف بصورة عجيبة رافضا الاختلاف حتى وإن كان ذلك الاختلاف صحيا . نحن في حاجة خطاب ديناميكي جديد يتناسب مع المرحلة الحالية التي باتت أكثر تشظيا وأكثر سرعة من الأزمنة السالفة ، وتلك المرحلة التي أفرزها انضغاط الزمان والمكان فبقي العقل العربي في مرحلة الزمن الواسع ليسرقه الوقت دون أن يتفاعل مع ذلك الانضغاط . وذلك البطء الفكري تسبب في فوضى الاتهام ، فربما يتحول النقد إلى تهمة ، والرأي إلى جناية يحاسب عليها قانون القطيع بالأنفلو وقد يتجاوزه للبلوك وقد تكون أقل العقوبات ( التحجير ) ..!! في تويتر عقليات مراهقة وأخرى مراهقة فكرا لا سنا يصعب التأثير فيها دون أن تضع فيها لمسة من الشهرة من خلال ريتويت فيقودها ذلك إلى الامتنان لأن ذلك المشهور أعطاه تلك اللمسة السحرية التأثير . تويتر لم يكشف عن تلك العقليات فقط ، لكنه كشف عن حرب الغيرة والحقد والحسد ولا أبالغ في ذلك ، فتلك النعوت باتت مشتركة بين الناس على مختلف مكاناتهم وامكاناتهم وأماكنهم ..!! لقد كشف العلة التي جعلت الإنسان لا يتقدم وإن تقدم سيستخدم ذلك التقدم في يوم ما للقضاء على الآخر وربما يقضي على نفسه في نهاية المطاف . أهرب من تويتر إلى الكتاب وأجد تلك المعارك أمامي فالجميع ينظر ويتحدث عن الحياة والفضيلة والنبل متناسيا بأن كل تلك الأشياء لا تنجح إن لم يكن فيها العمل تراكميا تكامليا .. يقبل كل تلك الاختلافات ويحتويها . ربما لكون العلوم والثقافات على مر التاريخ ترتكز على الثنائيات جعلتنا نركز على التضاد لا الاختلاف ..!! لقد تحول الحوار إلى حرب تستخدم فيها هراوات الرأي والقمع والعبوات الناسفة والديناميت بدلا من تحريك مياه الالتقاء والنقاء والاحترام الجوفية داخل الإنسان .! لقد تحولت الكلمات إلى مسدسات ، والوصاية إلى مشنقة ، والاختلاف إلى كرسي كهربائي ، وبتنا أكثر إيمانا بإيقونات الورد لإذابة الخلافات بدلا من الورد الطبيعي .! فظهر البطل الافتراضي و الدنجوان الافتراضي والكاهن الافتراضي ومات الإنسان والتاريخ والجغرافيا ..! لم يعد الأمر يحتاج سوى لمعرف وحساب في وسائل التواصل الاجتماعي لتشارك العالم في معاركهم وفي حياتهم ، فلم يعد تحتاج لتحفر اسمك في ذاكرة المجتمع بطريقة حنفية الماء .. قطرة .. قطرة ..قطرة . ولا يحتاج أن تزرع النخل والرمان والتفاح في الأرض المالحة أو أن تزرع الاستقلالية في عقول الآخرين لتحرر هذا العالم من خلاط التكنولوجيا بقدر الحاجة إلى التطبيل لأحد هوامير تويتر أو الانخراط في جيش القطيع . لقد عادت الماو ماو لتغرس أنيابها وجدلياتها وديكتاتورية أفكارها فتسللت إلى أفكارنا ، الماو ماو التي جعلت من عيدي أمين مهووسا في جمع الألقاب العسكرية والسياسية حتى أنه عرض على الرئيس التنزاني جوليوس نيريري ألد أعدائه في المنطقة تسوية خلافاتهما في حلبة الملاكمة ، وفكر في عام 1981 في تنظيم مباراة يواجه فيها محمد علي كلاي بشرط أن تكون المباراة في طرابلس بليبيا ويكون فيها شقيقه بالدم كما يقول القذافي حكما وآية الله الخميني المقدم وياسر عرفات المدرب " ..!! لقد أطلق بعضنا عبيدي أمين الذي بداخله وحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى حلبات للملاكمة لا منبر للنقاش ، وتحولت القاعدة التي تقول : " إذا لم تكن معي فأنت ضدي " إلى قاعدة تقول : " سواء كنت معي أو مع غيري فأنت ضدي ..!!