×
محافظة المنطقة الشرقية

بالفيديو .. مقتل 5 جنود ايرانيين في تفجير لمقر الحرس الجمهوري في الأحواز

صورة الخبر

لم أفكر طوال أربعين سنة مضت أن يصل بنا الحال في العالم العربي إلى هذا الشحن الطائفي المقيت الذي وصلنا إليه اليوم. صحيح أن الطائفة هي أحد الانتماءات التقليدية/ الطبيعية التي غالبا ما يولد الإنسان مرتبطا بها دون منه. وبما أن معظم المجتمعات العربية لم تكن "مدنية"، أي لم يكن انتماء الأفراد فيها متجاوزا لانتمائهم الطائفي والأسري والعشائري إلى انتماءات جديدة وفق الروابط والمؤسسات "المدنية" بشكل حقيقي. ومن يمعن النظر في حال المجتمعات العربية اليوم يجد أنها في ردة ونكوص إلى الطائفة كنتيجة طبيعية للأوضاع السياسية التي تعيشها، أو بمعنى آخر نتيجة لما يفعله السياسيون في بلادهم ومجتمعاتهم كي يصطف أكبر عدد من أفراد مكونات المجتمع خلفهم من أجل دعمهم سياسيا بلا تفكير. وقد دفع (الجهل) و(الاحتقان) المجتمعي والسياسي تلك المجتمعات إلى الالتفاف حول طوائفهم أكثر من الالتفاف حول الروابط المدنية الأخرى، بما فيها الأحزاب أو الجمعيات، وذلك اقتناعا بـ"لا مدنية" الدولة والمجتمع من جانب، ومن جانب آخر اقتناعا بأن الانتماءات التقليدية هي الأكثر قدرة على حماية أفرادها من غيرها. نجد اليوم نكوصا باطنا إلى الانتماءات التقليدية في دول ظاهرها "مدنية الدولة" والمجتمع، ويظهر ذلك جليا في لبنان وسورية والعراق، ففي لبنان الظاهرة الطائفية موجودة وصريحة كانتماء طبيعي في المكونات الجغرافية والمجتمعية، وقد عاشت المناطق اللبنانية صراعات طائفية في القرى والمناطق الريفية، بينما كانت المدن تحوي كل الطوائف في إطارها المدني، غير أن الحروب التي عاشها لبنان على مدى تاريخه بعد الاستقلال أضعفت سلطة الدولة وأججت سلطة الطائفة وزعمائها، ويظهر ذلك فيما يعيشه اللبنانيون، غير أن عمق (الوعي المدني) لدى الإنسان اللبناني حينها أبقى على فاعلية مؤسسات المجتمع المدني التي أصبحت خط الدفاع الثاني بعد انهيار مؤسسات الدولة اللبنانية أثناء الحرب الأهلية، غير أن الطائفة كرّست بشكل مقيت من قبل السياسيين، فأصبحت المحاصصة الطائفية جزءا أصيلا من التركيبة السياسية اللبنانية كما نشهده اليوم. أما في سورية والعراق فإن الطائفية كانت ظاهرة في غطاء يوصف بأنه "مدني"، غير أن الحقيقة المرعبة تكشفت عقب انهيار النظامين السياسيين، حيث كرّس التدخل الإيراني/ المذهبي الانتماء للطائفة بشكل عنصري وحقود، أما في سورية فقد اندلعت الطائفية عقب اندلاع الثورة السورية التي أعادت الانتماء الطائفي قسرا وبشكل عنصري، في محاولة من النظام السياسي إرعاب المواطن السوري، وإرجاعه للاحتماء بالطائفية، حيث إن معظم الأنظمة السياسية العربية لم تجعل حماية المواطن من أولوياتها، وهو الواقع الذي تؤكده الأنظمة السياسية العربية عقب انسحابها بعد سقوط مؤسسات الدولة بشكل يشبه الانهيار. في دول أخرى مثل مصر وتونس ما زالت فيها مؤسسات المجتمع المدني فاعلة رغم كل الظروف، وهو ما أبقى على مؤسسات الدولة قائمة بما فيها (الجيش) الذي أقوى وأهم مؤسسات الدولة، خاصة حين يحافظ على عدم التدخل لقمع وقتل المواطنين لصالح النظام السياسي، وهو ما تم في مصر وتونس. يمكن القول إن ما تعيشه المنطقة العربية اليوم من حروب هي نتيجة لتكريس الطائفية السياسية، من قبل السياسيين ورجال الدين، أو بعبارة أخرى: تدخّل رجال الدين في السياسة. وهو أمر يتضح منذ اللحظة الأولى التي تولى فيها رجل الدين الإيراني (الخميني) السلطة في إيران، وبدأ الضخ الطائفي/ المذهبي الكبير من هذه اللحظة التي انقسم فيها العرب ما بين مؤيد ومعارض، وتعدى ذلك إلى انخراط في الحلف السياسي: إما مع إيران (الشيعية) أو ضدها! ولو لم تتدخل إيران سياسيا في بقية الدول العربية (لبنان، سورية، العراق، اليمن) ما كنا شهدنا هذا التأجيج الطائفي المقيت الذي أصبح اليوم بمثابة صب الزيت على النار، فالعالم العربي يعرف جيدا مكوناته الثقافية والاجتماعية التي تنتمي للحضارة العربية في النهاية، أما محاولات إيران بفرض الثقافة الفارسية عبر تصدير المذهب (الثورة) لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية فذلك أمر مرفوض ويفترض ألا يقاوم بحشد طائفي مقابل، لأن "المدنية" هي الخيار الأفضل الذي يمكن الانضواء تحت لوائه دون شعور بوجود خطر يتهددنا من الداخل.