ماذا يعني تكاثر الجوائز العربية الخاصة بالرواية، هل تساهم هذه الجوائز في تطوير الرواية العربية أم أن لا أثر لها في فن الرواية؟ بدا واضحاً في الفترة الأخيرة أن روائيين وروائيات كُثراً قدموا تنازلات شبه واضحة في أعمالهم الروائية رغبة في الفوز بالجوائز، ومن هذه التنازلات عدم التعرض للتابوات كالدين والجنس مثلاً، أو ممارسة نوع من الرقابة الذاتية على النصوص قبل نشرها، فما رأي الكتّاب بهذه القضية؟ سؤالان أساسيان يختزلان أسئلة كثيرة تدور في فلك العلاقة الجدلية بين الرواية العربية الحديثة والجوائز. «الحياة» طرحت السؤالين على عشرة روائيين وروائيات كانوا شاركوا في ملتقى الرواية العربية الأخير في القاهرة. تباينت الآراء واختلفت ليتبيّن مرة جديدة أن هذه الجوائز، التي باتت تتزايد يوماً بعد آخر، هي مثار جدل كبير بين الكتّاب والنقاد والمثقفين في العالم العربي. ورفض روائيون المشاركة في هذا التحقيق مؤثرين عدم إبداء رأي في هذه القضية المثيرة. ومن بين المشاركين في هذا التحقيق: علوية صبح، إنعام كجه جي، وحيد طويلة، ليلى العثمان، أحمد الفقيه، لنا عبدالرحمن، سلوى بكر، مكاوي سعيد، حمدي الجزّار. جمعت الشهادات في القاهرة : سلوى عبدالحليم. علوية صبح: أبناء البوكر وتضخّم «الأنا» لا أعرف إذا كانت الجوائز فتحت آفاقاً للتشجيع على كتابة الرواية أم أنّ هناك حاجة تعبيرية عند الكتّاب، ولا سيّما الشباب منهم هي التي دفعت إلى تطوير الرواية. ولكن في كلّ الأحوال، لا شكّ في أنّ الجوائز باتت محركاً فاعلاً في الحياة الثقافية العربية، لا سيّما في مجال الرواية. ومن المؤكد أيضاً أنّ هذه الجوائز شجعت على انتشار الرواية وزادت نسبة القراءة والإقبال عليها، وبخاصة جائزة البوكر العربية. وهذا شيء إيجابي جداً. بل ثمة جيل من الروائيين يصحّ أن نطلق عليه «أبناء البوكر». وقد يكون تكاثر الجوائز العربية من الأمور المساعدة على تكريس دور الثقافة في العالم العربي، وإيصال الكتابة الإبداعية إلى أوسع عدد ممكن من القرّاء. من هنا، فإن مسؤولية لجان التحكيم كبيرة، وكذلك اختيار الأعضاء يجب أن يتمّ بعناية بالغة. الجوائز إذاً فتحت الباب أمام كتّاب شباب أو جدد، وهذا أمر مهم، ولكن يجب التفريق بين الجوائز التي تُمنح لكاتب واحد أو لمجموعة أعمال. فلا يصح منح جائزة لعمل ما لمجرّد أنّ كاتبه معروف أو مكرّس أدبياً. فمن الممكن أن يكون الكاتب اسماً كبيراً ويستحقّ جائزة فعلية عن مجمل أعماله، لكنّ روايته الجديدة ليست «الأفضل» ولا يستحق جائزة، فالجائزة هي عتبة وليست هدفاً. هي ليست صدقة إنما تتويج أو تكريم لإبداع الكاتب. يؤثر كلّ كاتب أن يحظى بجائزة، لكنّ الجوائز لا تصنع كتّاباً. التاريخ هو من يُسقط كاتباً ويُبقي على آخر. الكتّاب المبدعون هم الذين يعطون الصدقية للجائزة وليس العكس. والملاحظ أن الجوائز تُعطى أحياناً بالمداورة، و في هذا ظلم أحياناً لكاتب تُمنع عنه جائزة يستحقها لمجرّد أنها أعطيت قبل ذلك إلى كاتب من جنسيته. فما المانع في أن ينالها المصري أو المغربي أو اللبناني أكثر من مرة إن كان يستحقها فعلاً؟ وثمة ملاحظة أخرى هي أنّ ثمة اعتبارات معينة تدخل في توزيع الجوائز، وربما هذه الاعتبارات موجودة في العالم كله، علماً أنّ الشرط الوحيد الذي يجب أن يؤخذ بالاعتبار هو الكتاب نفسه أو أعمال الكاتب إذا كانت الجائزة عن مجمل أعماله. أضف إلى ذلك أنني ضدّ الكوتا النسائية في الجوائز بمعنى أنّني مع فوز من يستحقّ الجائزة، بغضّ النظر عن اعتبارات الجندر. والأهمّ برأيي ألّا يكتب المؤلف بغرض نيل الجائزة كأن يُمارس رقابة ذاتية على كتابته لأنّ الكتابة هي أولاً وأخيراً فعل حريّة. وفي الختام، أؤكّد أنّ الجائزة، على أهميتها، ليست هدفاً. أمّا تضخم الأنا الذي قد يُصيب بعض الكتّاب عند فوزهم أو حتى ترشيحهم إلى الجوائز، فهو يتعارض مع مفهوم الكتابة التي تقوم أصلاً على مبدأ الشكّ. أحمد الفقيه: ضرورة ثقافية بعيداً من سوء التحكيم لا أرى شخصياً أي ضرر من تكاثر الجوائز، إذا كانت حقاً قد تكاثرت، وهي مهما أسميتموها كذلك تبقى قليلة جداً، مقارنة بما هو موجود في دول العالم المتقدم. ولا أستطيع أن أقدم إحصاءات، لكنني أعرف أن الجوائز في فرنسا تصل إلى أرقام قياسية، وتقدمها جهات متنوعة ومتعددة، ويمكن أن يقدمها جانب يرعى الروحانيات فيقدمها للروايات التي تتكئ على الجانب الروحي، وآخر صاحب سلعة يقدمها للرواية التي تحتفي بتلك السلعة سواء أكانت عطوراً أو ثياباً أو نبيذاً، وهم لا يشكون من ذلك ولا يرون فيه مساساً بالقيم الأدبية والإبداعية، وإنما يرونه تحفيزاً وتشجيعاً واحتفاء به. لا أعلم شيئاً عن وجود تنازلات يقدمها هذا الكاتب أو ذاك لهذه الجوائز وأعرف أن من فازوا بجائزة مثل «بوكر» العربية كانوا كتاباً متميزين، أذكر بينهم بهاء طاهر وجائزة «الشيخ زائد» وأذكر بينهم واسيني الأعرج وعبدالرشيد محمودي وإبراهيم الكوني، وجائزة أخرى نالها ناقد متمكن مثل عبدالله إبراهيم وجائزة «العويس» ولها سجل حافل بكبار المبدعين، فلا أدري أين هذا التنازل الذي لا أظن أن أحداً يريده أو يطلبه. هو كلام لا أحد يستطيع أن يقدم عليه دليلاً. إنني مع الجوائز دائماً وضد ما يشوبها أحياناً من سوء تحكيم وسوء اختيار المحكمين، وأتمنى أن تنتظم قواعد تقديمها وأسس هذا التقديم. علماً أنني لا أرى الجائزة مقياساً وحيداً على التفوق أو الجودة والإتقان. ولا أرى في المقابل أنها تغطي قصوراً أو تقصيراً في وصول الكتاب إلى القارئ لأن ثمة «فضيحة» في هذه المنطقة تتمثّل بأن يبقى توزيع الكتاب الإبداعي العربي ضمن دائرة ضيقة في وقت يمكننا بجهد بسيط أن نرفع هذا التوزيع إلى عشرات الأضعاف، والأمر يستحق أن نعقد من أجله مؤتمراً يختص بسوء توزيع الكتاب وكيفية معالجة هذا الوضع السيء. إنعام كجه جي: فائدة مادية للكاتب لا أظن أن الجوائز تساهم في تطوير الكتابة الروائية، لكنها تشجع- كما لاحظنا- على حثّ شباب مبدعين على العمل إلى حدّ أننا لم نعد قادرين على متابعة كل ما يُنشر من روايات. وإذا حصل وفاز روائي بجائزة، فإنّ الجائزة، إضافة إلى التكريم المعنوي، قد تعينه على شؤون الحياة. هل نستكثر على الكاتب العربي أن ينتعش قليلاً وهو الذي يعمل في مهن موازية لكي ينفق على عائلته ويواصل الكتابة؟ أمّا عن التنازلات التي يقدمها بعضهم بغية نيل الجائزة فلا أعتقد أنها موجودة دائماً، إذ لم يسبق أن حضر الجنس والدين والسياسة في النتاج الروائي العربي كما هو حاضر في السنوات الأخيرة. ففي رواية السوري خالد خليفة، مثلاً، وهي اختيرت في القائمة القصيرة للبوكر، العام الماضي، تابوهات كثيرة. أما قضية التنازل فهي مشكلة الكاتب لا مشكلتي كقارئة. وهي أيضاً، مشكلة لجان التحكيم التي تملك القرار. ليلى العثمان: حالة ثقافية صحية أؤيد فكرة الجوائز، وأنا معها بشدة سواء كانت في مجال الأدب أو غيره من المجالات الأخرى. في دولة الكويت ثمة جوائز تمنحها المــؤســسة الرسـمــيـة، وأخرى خاصة مثل جائزة «البابطين» وجائزة «سعاد الصباح» وجائزة باسمي «ليلى العثمان للشباب المبدعين». الجوائز الأدبية لا شك مهمة، فهي من جانب تحفز على الاستمرار ومواصلة المبدع مسيرته مع الكتابة، كما تحفز من يأتون بعده وتشجعهم على مواصلة الكتابة. ومن جانب آخر هي وسيلة مهمة نتعرف من خلالها على كتّاب جدد، فنحن المبدعين العرب لا يعرف بعضنا بعضاً. الجوائز حالة صحية في أي مجتمع باعتبارها استحقاقاً يشجع الكاتب ويحفزه على المواصلة، من الناحيتين المادية والمعنوية. ولكن ثمة بعض الجوائز العربية، أقف منها موقفاً خاصاً مثل جائزة «البوكر» مثلاً، فالمشاركة الدائمة والمتكررة من أجل الفوز أمر غير مقبول. ويجب أن تُعطي مساحة أكبر لمشاركة الكتاب الشباب والجدد. أما الحديث عن تنازلات من أجل التقدّم للجوائز فلا أعتقد أبداً أن كاتباً يحترم قلمه لا يكتب عن شيء يقلقه أو يشغله بهدف التقدم للجائزة، وبخاصة أن بعض الجوائز لا توجد عليها رقابة مثل جائزة البوكر. ثمة كتاب شباب يصيبهم الخوف من الرقابة، فيكتبون ما بداخلهم من بوح. ثمة حالة مستنفرة من الكتابة الموحية والجميلة. وهناك أيضاً حالة من الاستسهال والكتابة الرخيصة خصوصاً في ما يتعلق بالكتابة عن الجنس مثلاً. فهو لا شك حالة راقية وشيء مهم في حياتنا، ولكن كيف يتم طرحه والكتابة عنه. نجيب محفوظ كتب عن الجنس وتحدث كثيراً عن بائعات الهوى أو «المومسات» لكنه كتب برقي واحترام كبيرين. لنا عبدالرحمن: قيمة الرواية بذاتها بالـــتأكـيـــد ساهــمـت الجــوائــز فــي ازدهار الرواية، وفي وصول عدد كبير من الروايات إلى القارئ العادي غير المختص بالأدب. أما في ما يخص تجاهل بعض الكتّاب للتابوات، فليس لديّ فكرة واضحة عن الأمر إن كان مقصوداً أم لا. بعض الروايات تحصد الجوائز وتستحق هذا، وبعضها الآخر لا. في النتيجة، الجوائز لا تصنع بالضرورة رواية جيدة، فالرواية الجيدة تحضر بغض النظر عن الجائزة. سلوى بكر: معايير ملتبسة الجــوائــز الــروائـــيـــة أصبحت ظاهرة وهي تشجع على كتابة الرواية ولكن هل تحسّن الإنتاج الروائي؟ الإجابة: لا. الوحيد الذي يحسن الإنتاج الروائي هو الروائي نفسه بمقدار ما تكون كتابته نقلة أو إضافة جدية في الإنتاج الروائي المعاصر. معايير الجوائز في عالمنا العربي ملتبسة تماماً وغير واضحة واللجان التي تشكل من أجلها الجوائز ليست لها دائماً تلك المصداقية التي تجعلها في موضع الحكم. هذه الجوائز تأتي في إطار تراجع ثقافي عام، تأتي في إطار غياب مشروع ثقافي على المستوى العربي الإقليمي. أما على المستوى العربي العام فهي تأتي في ظل غياب أسئلة تتعلق بدور الثقافة في مجتمعات عربية على الأغلب تجمّل القبح السياسي للأنظمة الاستبدادية العربية. وهي (الجوائز) تقليد مهم لأفكار ثقافية جاءت كنتيجة لمجتمعات أخرى معاصرة تقرأ وتعتبر القارئ فيها طرفاً حقيقياً في التقييم وفي المشاركة المتعلقة بقيمة العمل الروائي. أما الجـــوائز الخــاصة فهي لا تبتعد كثيراً عن جوائز تمنـــحها الدولة. فالــجوائز الخاصة ما هي إلا نوع من وضع اليد الملوثة في محلول مطهر، وهي محاولة لإبعاد الوعي عما يجب أن يتنبه إليه وعي المواطن والإنسان. والمؤسف أنها تُعطى، على الأغلب، كمِنَح وعطايا من قطاع من الأثرياء إلى الفقراء. أما المعايير فحدّث ولا حرج، إذ يشارك ويقرر لها من لا علاقة له بالأدب من قريب أو بعيد. مشكلة الجوائز في عالمنا العربي هي غياب المعايير. والسؤال عن تنازلات يقدمها الروائيون من أجل التقدم للجوائز سؤال «بوليسي» يستدعي منطق التحقيق لأنه حديث في منطق الأخلاق، أي حديث غير موضوعي. فثمة كتّاب، وبخاصة من جيل الشباب، يكتبون عن الجنس، فقط للفت الأنظار. التنازلات ما هي إلا تجليات فساد. مكاوي سعيد: تشجيع على القراءة تزايد الجوائز الأدبية يدفع بالرواية إلى الأمام لأن المبدع يتنافس مع أقرانه ويحاول الاجتهاد لمزيد من الإجادة. وتساهم الجوائز أيضاً في توسيع رقعة قراءة الروايات المتنافسة إلى أن تنال الرواية «المحظوظة» الجائزة. هكذا نظل في حراك يتساوى فيه الكاتب والقارئ. ولكن لا ينبغي أن يؤمن الكاتب بحياد الجوائز، فهي لا تذهب دائماً إلى مستحقيها، لأنّ في النهاية ثمة محكّمين لهم ذوائقهم وتفضيلاتهم. ومن أجل ذلك أتمنى أن يرضى الكتّاب عن النتيجة النهائية. ولا يعجبني طبعاً بعض الأدباء الذين يشاركون في كل الجوائز وينهالون عليها سبّاً عندما لا يحصلون على جائزة، وهذا يعكس تواضع مستواهم ومعرفتهم الحقيقية بأن أدبهم غير قادر على المنافسة فيظنون أن ارتفاع صوتهم احتجاجاً سيضمن لهم جوائز مستقبلية. ومن يُخضع أدبه لمقاييس تتفق مع شروط جائزة ما أو يخضع لرقابة ما فهو ليس بكاتب بل «ترزي». فالكاتب الحقيقي لا يشغله غير موضوعه وقارئه، وما يحصل عليه من جوائز فهو يُضيف إلى جيبه لا إلى قيمته. فالقيمة الحقيقية هي آراء القرّاء التي تستحيل تيجاناً على رأس المبدع الحقيقي. وحيد الطويلة: تقييد حريّة الكاتب المسألة ليست في أن الجوائز تساهم في تطوير الرواية أم لا، إنما القضية في أن الجوائز أصبحت معياراً لوجود الكاتب من عدمه. فمن النادر أن تفلت رواية جيدة وتصل للقراء في العالم العربي من دون حصولها على جائزة أو ورودها في إحدى قوائم الجوائز الكبيرة. منى الشيمي مثلاً كتبت بمرارة عن شعورها بالقهر بسبب تجاهلها ككاتبة حين كانت تحضر إلى القاهرة، إلى أن أنقذتها الجائزة، مع أنها كاتبة جيدة. في إحدي ندوات مؤتمر القاهرة للرواية كنا نقدم شهادات عن الكتابة، كانت مقدمة الندوة، وهي كاتبة أيضاً، تقدم الكتّاب وتحتفي بوجودهم في قوائم جائزة البوكر، على رغم أن المعيار كان الترتيب الأبجدي للأسماء، وهو معيار جيد، ومن ثم طلبت مني شخصياً - وكان دوري في نهاية الندوة- أن أخلي مكاني لأحد الذين ورد اسمهم في قوائمها ليختتم الندوة باعتباره «بوكرياً»، وعندما رفضت سألتني أمامه مباشرة لماذا؟ قلت لها: أنا الكبير في هذه الندوة، وبعدما قمت بالختام المجيد اعتذرت لي بشدة. في المجتمعات المشاعية كانت تقام مسابقات يكون فيها فائز واحد، لكنّ الجائزة كانت توزّع على الجميع. ومع ظهور الوعي والتمايز الطبقي أصبح هناك استئثار لطبقة ما بالحكم وبالوسائط التي تساند هذا الحكم، ومن ضمنها الجوائز. ثمة أيديولوجيا للطبقة الحاكمة وفي قلب أدوات ترويجها تقع هذه الجوائز لترويج هذه الأيديولوجيا، وهي لن تمنح إلا لمن يثمنها، نحن أمام سلطة تستخدم فناً جماهيرياً منتشراً في الترويض والإخضاع. ولو عدنا لطبقات الشعراء سنجد أن الطبقات الأولى كانت للمدح، لذا تأخر جميل بثينة حتى الطبقة السابعة لأنه لم يفعل. في جوائز الدولة في مصر تحديداً، المسألة لا تتعلق بالثورة في الكتابة أو في رواية كبيرة تقف وحدها على ساقيها. وإنما يبدو المشهد كأننا أمام طوابير التلقيح ضد الأمراض، فالمسألة بالمداورة، بحيث يجب «تلقيح» الجيل الكبير كله، فيحصدون وحدهم كل الجوائز قبل أن تنتقل إلى الجيل الذي يليه والذي قارب معظمهم سن الستين. وهي جوائز لا تمنح بالطبع لخصوم النظام ولو من باب الخجل، وإن حدثت في مرة يتيمة فإنها ترتبط بظرف ما متعلق بالسلطة. ويبدو أن التلقيح ضد الأمراض ليس فكرة محلية صرفاً، ولعلك سمعتِ من كثيرين أو قرأتِ في صفحات التواصل الاجتماعي عن أن الدولة الفلانية عليها الدور في البوكر هذا العام، وأن بعضهم يتعجب لأنه لا توجد أسماء من الدولة العلانية في القائمة الطويلة. قد تبدو الجوائز العربية مستقلة للوهلة الأولى، لكنها من وجه آخر تدور في الدولاب نفسه الذي ينتج أيديولوجيتها ويروج لها، وإذا كان بعضهم ينظر إلى المجتمعات العربية على أساس أنها مجتمعات تخلّف أو قمع، تزيد من الجوائز على أنها تشجيع للرواية، لكنه ينظر لها من ناحية أخرى على أنها أداة ترويض وإخضاع، وأنها إحدى الأدوات في تسييد النظام لرؤاه، كما أن الحافز لا يتعلق بالجائزة المالية بمقدار ما يتعلق بالشهرة والترجمة للغات أخرى يصير فيها الكاتب مقروءاً ومـــعروفاً. لـهذا ربما أصبحت مضار الجوائز أكثر من فوائدها. أفسدت كتابة جيل الشباب وفتحت شهيتهم للجوائز ولكن وفق شروطها، وهي شروط يجب ألا تخضع لها الرواية، وتفقد الكاتب حقه في حرية الكتابة. نعم هناك كتاب يكتبون رواية للجوائز وهي التي وصفها الشاعر الكبير عبدالمنعم رمضان بـ «الرواية المثال»، وأخرى للجماهير يتمّ ضرب التابوات فيها ويلحقها الرواج. هناك كتّاب ينقّبون عن الخلطة السحرية التي جعلت رواية ما تحظى بالقبول الجماهيري والحضور الواسع، يبحثون فيها عن العناصر التي دفعتها لصدارة المشهد، ثم يبدأون في الكتابة على منوالها. إنها الرواية الذكية في عرف العارفين. ما بالك برواية الجوائز؟ لا بأس بالجوائز، حافز جيد لكتابة جيدة، لا بأس أيضاً ببعض العدل الذي يصلح قوام الرواية وقوام الروائي، ومرحى باللعبة أولاً وأخيراً، اللعبة الممتعة التي تجعل كاتباً يكتب بالمتعة وقارئه يتذوق بكل المتعة.