×
محافظة المنطقة الشرقية

اعتقال مجموعة من عناصر «داعش» في كركوك

صورة الخبر

هيثم أبو الغزلان: يوم الأرض في الثلاثين من آذار 1976، يوم انتفاضة الدماء لحماية أرض الأجداد، يوم نهاية الحلم الصهيوني بترويض أهلنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1948، عبر أدوات القمع تارة والإغراءات تارة أخرى فانتفض أهل الدار، بالدماء معلنين أن الأرض لنا، ولن تُسرق منا ولن تُزوّر بأسماء من اختراعات حاخامات الصهاينة وفي هذه الأيام يتصدى المواطنون الفلسطينيون لاعتداءات قطعان المستوطنين المستمرين في عدوانهم الظالم والاستيطان المستشري في الضفة الغربية والقدس المحتلتين. لماذا يوم الأرض صادرت السلطات الإسرائيلية آلاف الدونمات من الأراضي العربية ذات الملكية الخاصة أو المشاع في نطاق حدود مناطق ذي أغلبية سكانية تحت غطاء مرسوم جديد صدر رسمياً في منتصف السبعينات، أطلق عليه اسم مشروع تطوير الجليل والذي كان في جوهره الأساسي هو تهويد الجليل وبذلك كان السبب المباشر لأحداث يوم الأرض. فقد صادرت السلطات الإسرائيلية 21 ألف دونم من أراضي عرابة وسخنين ودير حنا وعرب السواعد وغيرها في منطقة الجليل في فلسطين التي احتلت عام 48 (وهي القرى التي تُسمى اليوم مثلث الأرض) وتم تخصيصها للمستوطنات الإسرائيلية في سياق مخطط التهويد. واحتفظت منطقة الجليل رغم كل المؤامرات الإسرائيلية بأغلبيتها العربية مع أنها المكان الذي أمعن فيه الإسرائيليون في تطبيق سياسة التهويد، فأعلنت السلطات الإسرائيلية في أوائل عام 1975 عن خطة لتهويد الجليل تحت عنوان: مشروع تطوير الجليل، وهي الخطة التي تعد من أخطر ما خططت له حكومة الكيان الإسرائيلي؛ إذ اشتمل على تشييد ثمان مدن صناعية في الجليل. مما يتطلب مصادرة 20 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية ذلك أن نظرية الاستيطان والتوسع توصي بألّا تُقام مظاهر التطوير فوق الأراضي المطورة، وإنما فوق الأراضي البور والمهملة، وهي التسميات التي تُطلق على الأراضي التي يملكها الفلسطينيون العرب. وقد شكّلت عملية تهويد الجليل ـ وما تزال ـ هدفاً من أهداف الحركة الصهيونية وهاجسها، فقد حدد بن غوريون هذا الهدف بقوله: الاستيطان نفسه هو الذي يُقرر إذا كان علينا أن نُدافع عن الجليل أم لا. وأقام الكيان الاسرائيلي بعد العام 1948 في الجليل العديد من المستوطنات، وبرر الاسرائيليون عملية الاستيلاء على الأراضي، بأنها أراضٍ للغائبين، ولكن الاستيلاء لم يقتصر على أراضي الغائبين، وإنما وضع يده على أملاك حكومة الانتداب البريطاني، وتقدر هذه الأراضي بحوالى 2-3 مليون دونم، لكن الكيان لم يكتفِ بتلك الأراضي، وإنما امتدت يده إلى أراضي الفلسطينيين الذين ظلّوا في أراضيهم، وكان العرب يملكون حتى عام 1948 حوالى 13 مليون دونم من أصل 27 مليون دونم، بينما لم يكن للكيان سوى 5.1 مليون دونم، والباقي أراضٍ مشاع. بدأ الكيان منذ عام 1948 بسرقة الأراضي العربية وأخذ يُصدر القوانين المتعددة الأسماء والأشكال لتكون سرقتها مبررة وشرعية (!!) فمن قانون الأراضي البور إلى المناطق المغلقة، إلى قانون أملاك الغائبين إلى مناطق الأمن، إلى استملاك الأراضي. إلى إرغام العرب على رهن أراضيهم، حتى تمكنت من تجريد العرب من حوالى مليون دونم من أخصب وأطيب أراضيهم. ولم يتوقف الكيان عن استصدار قوانينه، وممارسة سياساته، التي تتماشى ونظريته القائلة: ما أصبح في يدنا هو لنا، وما يزال في يد العرب هو المطلوب. وكانت صادرت السلطات الإسرائيلية خلال الأعوام ما بين 1948-1972 أكثر من مليون دونم من أراضي القرى العربية في الجليل والمثلث إضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى التي استولت عليها عام 48 (وهي القرى التي تسمى اليوم مثلث الأرض). قرارات: صدر قرار بإغلاق منطقة المل (منطقة رقم 9) ومنع السكان العرب من دخول المنطقة في تاريخ (13-2-1976). كما صدرت وثيقة متصرف لواء الشمال في وزارة الداخلية (وثيقة كيننغ) في (1-3-1976)، كاقتراح لتهويد الجليل واتخاذ إجراءات سياسية إزاء معاملة الاقلية العربية في إسرائيل. وعلى أثر هذا المخطط العنصري قررت لجنة الدفاع عن الأراضي بتاريخ (1/2/1976) عقد اجتماع لها في الناصرة بالاشتراك مع اللجنة القطرية لرؤساء المجالس العربية وفيه تم إعلان الإضراب العام الشامل في 30 آذار (مارس) احتجاجاً على سياسية المصادرة وكالعادة كان الرد الإسرائيلي عسكرياً دموياً إذ اجتاحت قواته مدعومة بالدبابات والمجنزرات القرى الفلسطينية والبلدات العربية وأخذت باطلاق النار عشوائياً فسقط الشهيد خير ياسين من قرية عرابة، وبعد انتشار الخبر صبيحة اليوم التالي، أي في 30 آذار انطلقت الجماهير في تظاهرات عارمة فسقط خمسة شهداء آخرين، هم: الشهيد خضر خلايلة (سخنين)، الشهيدة خديجة شواهنة (سخنين)، الشهيد رجا أبو ربا (سخنين)، الشهيد محسن طه (كفر كنا)، الشهيد رأفت الزهيري (من عين شمس واستشهد في الطيبة)، إضافة إلى عشرات الجرحى والمصابين. وماذا بعد؟ جاءت انتفاضة الثلاثين من آذار لتُشكل احتجاجاً على سياسة المصادرة وتهويد الأرض وتأكيداً على تشبث الشعب الفلسطيني بهويته وحقه في الدفاع عن وجوده رغم عمليات القتل والإرهاب والتنكيل التي كانت – وما زالت – تُمارسها السلطات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني بهدف إبعاده عن أرضه ووطنه وأصبح يوم الأرض مناسبة وطنية فلسطينية وعربية. ولا زالت معركة شعبنا في الحفاظ على الأرض مستمرة ولم تنته في 30 آذار 1976، بل هي مستمرة حتى يومنا هذا ونستطيع القول والتأكيد إن كل الأيام الفلسطينية هي بمثابة يوم الأرض، ففي كل يوم تقوم حكومة الاحتلال العنصرية بمصادرة الأرض وبناء المستوطنات وهدم البيوت وطرد السكان، وفي المقابل يواجهها شعبنا بصلابة وإرادة لا تلين. ما جعل هذا اليوم يُشكّل نقطة تحول في مقاومة ومسيرة ونضالات وتضحيات شعبنا، من حيث الصمود والدفاع والتصدي لمخططات الاحتلال المستهدفة نهب أرضهم والاستيلاء عليها واقتلاع وجودهم من أرض الآباء والأجداد. لقد شكّل يوم الأرض 1976 بانتفاضته الشامخة مفاجأة لقادة الكيان الإسرائيلي، الذين اعتقدوا أنه بإمكانهم السيطرة على الجماهير الفلسطينية، وسلخها على الوطن وحبات رمله وأوراق أشجاره الشامخة ووديانه وهضابه وجباله؛ فجاء يوم الأرض المُغمّس بالدماء لينعش ذاكرة لن تنسى، ويُسيّج وطناً لن يضيع.