(لا تغضب ولك الجنة) مقولة نبوية كانت ردا على سؤال وجهه أبو الدرداء رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول اللّه دلني على عمل يدخلني الجنة، فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تغضب ولك الجنة)... والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم: 7374. لقد كان الأسبوع الماضي - إجازة منتصف الفصل - يموج بمواقف صعبة، في البيت أولاد يقضون وقت الإجازة بطريقتهم الخاصة والمزعجة، وزوجة تثير زوبعة من الانتقادات لهم ولأبيهم، وحتى عند الخروج لقضاء بعض الأغراض أو التنزه، تفاجأ بالطريق ينصب شباكه ليوقع ضحاياه في اختناقات الزحام مهما حاولت الإفلات منه بسلوك مسارات أخرى، وفي الزحام تباغتك تصرفات غريبة من بعض السائقين، لا سيما من مراهقي الشباب، وهي مواقف نحتاج فيها إلى الانتفاع من هذا الهدي النبوي. إن هيجان الغضب الدائم يعرضنا لنتائج سلبية عدة منها: إضعاف الاحترام الذاتي لشخصك. إعاقة التفاهم بينك وبين الآخرين ليتركك في حالة توتر ومرارة. التورط في التعامل بفظاظة وغلظة واللجوء للعنف وإيذاء الغير نفسيا وجسديا. التباعد العاطفي، وتحطيم العلاقة، وزيادة مشاعر العزلة. احتمال التعرض للإصابة بالقرحات وارتفاع ضغط الدم والصداع، بل قد تؤدي إلى جلطات دماغية، نتيجة الإفراز الزائد لهرمون الأدرينالين. ماذا نفعل إذن لتلافي هذه النتائج السلبية؟ الإجراء الأول: نطبق الوصية النبوية (لا تغضب ولك الجنة). (لا تغضب) تعني أنك تنظر لبعض الأحداث التي تغضبك على أنها أشياء عادية لا تستدعي الغضب. فلا نغضب لكل موقف أو تعليق أو تصرف من الآخرين خصوصا إذا بدر دون قصد أو بسبب نسيان وغير ذلك. وليس المعني ألا نغضب مطلقا، إذ لا يمكننا أن نستأصل الغضب من أنفسنا؛ لأنه انفعال غريزي. لكن إذا لم تنجح في هذه الخطوة واستفزت بعض المواقف غضبك، فعليك بالإجراء الثاني وهو ضبط الغضب عملا بالوصية النبوية: (الشديد الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ)، فالقوة الحقيقية في التحكم في النفس لحظة الانفعال، من خلال: التعبير بكلمات سديدة عن ألمك واستيائك من تصرفات المسيئين إليك في عبارة قوية لكنها لا تجرح المشاعر ولا تسفه العقول. استلهام فكرة أو نموذج يمكنك من المحافظة على رباطة جأشك و إزالة التوتر، والتفكير في خيار سديد بالتصرف المناسب مع مصادر الغضب. وحينئذ تتهيأ وجدانيا للتسامح، قال تعالى: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} سورة الشورى /37. ومن المواقف النبوية في ذلك ما رواه عَبْدُاللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قَالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَسْمًا، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم َفأَخْبَرْتُهُ فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ: ((يَرْحَمِ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَر)) رواه البخاري. الصمت: إذا شعرت أنك مشحون بالغضب إلى حد لا تقدر معه على كلمة سديدة، فالصمت قد يكون أقل ضررا؛ وهذا من إرشادات النبوة: (إِذَا غَضِبْتَ فَاسْكُتْ). تغيير وضع التحفز: لكيلا تشتبك في ضرب أو عراك عملا بقوله - صلى الله عليه وسلم - (إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ) أَبُو دَاوُد. الوضوء: في حالات الغضب الشيطاني الصعبة بادر بالوضوء لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا غضب أحدكم فليتوضأ» رواه أبو داود. تحويل الانفعال: وهي طريقة عجيبة في السيطرة على الغضب بتحويل الانفعال من الغضب إلى الضحك، وهو مناسب إذا كان مصدر الغضب طفلا مشاكسا أو شخصا جاهلا. وشاهده من السنة ما رواه أنس - رضي الله عنه - قال: كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أثّرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: «يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء» متفق عليه. هكذا تصرف النبي صلى الله عليه وسلم مع أعرابي تعامل معه بفظاظة فلم يصبّ عليه جام غضبه، وإنما ضحك وأحسن إليه..فأين نحن من هدي النبوة؟. أستاذ مشارك بجامعة الدمام