كنّا قد طالبنا في مقال سابق بإعلان النفير العام في البلاد لمواجهة التهديدات على حدودنا الشمالية والجنوبية، وقلنا إن أفضل طريق للسلام هي الاستعداد للحرب دفاعاً عن بلادنا. وقد مارست قيادة المملكة سياسة الصبر والدبلوماسية وعملت بصمت لإيجاد حلول سلمية للنزاعات من خلال الحوار. وقد تجلى صبر قيادة المملكة في التعامل مع الأزمة اليمنية، فهي التي استضافت الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح وسهّلت انتقال السلطة إلى خلفه الرئيس المنتخب عبدربه منصور هادي. كما استضافت المملكة جلسات الحوار، كما استضافت الرئيس "صالح" حتى شفي من الجروح التي أصيب بها في الانفجار الذي استهدف حياته، لكنه لم يشفَ من الأحقاد والضغائن التي يضيق بها صدره ضد الشعب اليمني!. لقد فعلت المملكة ذلك لأنها لا تريد سوى الخير لهذا البلد العربي المجاور. لكن "صالح"، الذي ليس له من اسمه نصيب في الصلاح، تآمر مع الحوثيين، وحتى مع تنظيم القاعدة، لنشر الفوضى في ربوع اليمن، وهي فوضى أخذ رذاذها يتطاير عبر الحدود!. لقد انتظرت قيادة المملكة طويلاً لعل الأطراف التي خلقت هذه الأزمة تحتكم إلى العقل والمنطق، ولكن يبدو أن مقولة "الحكمة يمانية" لم يعد لها مكان في عقول من رهنوا وطنيتهم وإنسانيتهم وسلاحهم وشرفهم وغلّبوا هويتهم الطائفية على ما عداها واستباحوا البلاد وأرهبوا العباد، إلى أن تعالت النداءات حكومة وشعبا مستنجدة بالمملكة لمد يد العون والإنفاذ من أجل وضع حد لهذا التغوّل المتوحش من العصابات الحوثية التي أخذت تتصرف باليمن كما لو كانت ولاية من ولايات الفقيه. كان خيار الحل العسكري هو آخر ما كانت تفكر فيه قيادة المملكة. كما حذّر سمو الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية أكثر من مرة من خطر استباحة إيران للعراق، وقتالها إلى جانب نظام بشار الأسد، وإرسالها بواخر أسلحة للحوثيين وتوقيع اتفاقيات ملاحة لتسيير رحلات طيران بين صنعاء وطهران في انتهاك صارخ لسيادة هذا البلد العربي ولكل القوانين التي تحكم العلاقات بين الدول المتحضرة، والمواثيق الدولية. فعلت إيران كل هذا على الرغم من كل المناشدات والتحذيرات، واستغلت ما يسمى بالحرب على الإرهاب وعلى تنظيم "داعش" لترسل عصابات القتل والهمجية إلى العراق حيث انتهكت فظائع تتواضع أمامها جرائم "داعش." لكونها شريكاً ولاعباً رئيساً وراء كل ذلك! وقد ظلت طهران تتجاهل كل مبادرات النوايا الحسنة وفهمت خطأ بعض الرسائل التي تلقتها من الإدارة الأمريكية، وتوهمت أن باستطاعتها القفز على دور المملكة، ولهذا لم تترك أمام المملكة ودول الخليج أي خيار آخر سوى مهاجمة هذا الورم الطائفي الخبيث الذي أخذ ينخر في جسم اليمن مثلما يفعل في العراق وسورية ولبنان. ربما تفاجأ الأصدقاء والحلفاء والأعداء بالرد الذي قادته المملكة مدعومة من عشر دول عربية (مصر والمغرب والأردن والسودان ودول مجلس التعاون الخليجي باستثناء عُمان). إضافة إلى باكستان. إن "عاصفة الحزم" لم تكن وليدة اللحظة، بل كانت نتيجة لتخطيط وتنسيق منذ مدة طويلة، فيما لو لم تفلح المساعي جميعها، وهذا ما يؤكد على الدور الريادي للمملكة في هذا المنطقة المشتعلة بالأزمات، إذ قادت المملكة توجيه هذه الضربات الجوية لأوكار المتآمرين وعملاء إيران، من منطق الاستجابة لنداء الشرعية الحكومي والشعبي في اليمن، ومن مبدأ الحرص على أمنها وأمن جيرانها، فاليمن بلد عربي مسلم مجاور للسعودية وما يحدث فيه لا يمكن السكوت عنه. وهذه الاستجابة من لدن المملكة ودول الخليج والدول العربية تمليه اعتبارات كثيرة، ليس أقلها الطلب اليمني الرسمي بالاستجابة لاستغاثتها. لكن المستغرب هو موقف حكومة طهران التي طالبت بوقف الضربات الجوية فورًا وكأنها دولة عظمى تأمر فينصاع لها الضعفاء والمتخاذلون. والأكثر غرابة هو أن يقول وزير خارجية طهران "إننا سنبذل ما بوسعنا للسيطرة على الأزمة في اليمن"، وكان الأحرى بحكومة المؤامرات أن تمنع وكلاءها الحوثيين أصلاً من نشر كل هذه الفوضى والخراب في أرجاء اليمن. المضحك - أيضاً - هو أن الناطق بلسان وزارة الخارجية الإيراني قال إن الغارات الجوية تُعدّ انتهاكًا للمسؤوليات الدولية في احترام سيادة الدول، وكأنما الميليشيات الإيرانية وجنرالات الجيش الإيراني يوزعون الحلوى والورود في العراق وسورية واليمن، فهل رأيت وقاحة أكثر من هذه؟!.