صنعاء: عرفات مدابش أخذت الأوضاع في اليمن منحى خطيرا بشكل تصاعدي، بعد البدء فعليا في عملية عسكرية برية لاجتياح المحافظات الجنوبية من قبل القوات الموالية للحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح، وحتى مساء أمس، تأكد سيطرة جماعة الحوثيين وقوات صالح على قاعدة «العند «العسكرية الاستراتيجية الواقعة إلى الشمال من مدينة عدن (60 كيلومترا)، إضافة إلى السيطرة الكاملة على مدينة الحوطة، عاصمة محافظة لحج، ومدينة صبر، ثاني مدن المحافظة، وسقط عشرات القتلى والجرحى في العملية العسكرية البرية التي بدأتها القوات العسكرية الموالية للحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح في جنوب البلاد. وفي حين أكدت مصادر مطلعة، مساء أمس لـ«الشرق الأوسط» استمرار المواجهات العنيفة في جبهتي كرش والضالع، تمكن الحوثيون وحلفاؤهم من السيطرة على قاعدة «العند» الاستراتيجية ومدينة الحوطة، عاصمة محافظة لحج. وقالت مصادر في الضالع إن أكثر من 150 مسلحا حوثيا قتلوا أثناء محاولتهم الدخول إلى المدينة عن طريق منطقة الجليلة، وإن اللواء العسكري المرابط هناك والموالي لصالح واصل حتى وقت متأخر من مساء أمس، قصفه للمدينة، في الوقت الذي نشر الحوثيون صورا لوزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي وهو في الأسر ومصاب، بعد أن تعرض لكمين مسلح أثناء قيادته للمواجهات. وفي ضوء هذه التطورات، باتت مدينة عدن في مرمى الحوثيين، بعد أن شهد مطار المدينة مواجهات مسلحة، تمكنت خلالها القوات الموالية لهادي من إعادة السيطرة عليه، في حين وجه محافظ المحافظة نداء إلى المواطنين لحفظ الأمن والاستقرار في ظل هذه الظروف الحرجة. وأكدت مصادر عسكرية لـ«الشرق الأوسط» أن دخول القوات المهاجمة إلى قاعدة «العند» جرى دون مقاومة تذكر، وأن القوات العسكرية الموجودة في القاعدة، سلمت للقوات المهاجمة في ضوء اتفاقات بين القيادات العسكرية الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، حيث جرت السيطرة على كميات كبيرة من الأسلحة المتطورة داخل القاعدة العسكرية. وعقب السيطرة على لحج وقاعدة «العند» بدأت قوات تحالف الحوثيين - صالح بالزحف على مدينة عدن، كبرى مدن جنوب البلاد، والتي يتخذ منها الرئيس عبد ربه منصور هادي معقلا له، وحتى ليل أمس، والأنباء متضاربة بشأن الوضع في عدن، وأكد شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» أن معارك ضارية شهدها محيط مطار عدن وأن القوات الموالية لهادي تمكنت من إعادة السيطرة عليه بعد أن كانت مجاميع حوثية مسلحة سيطرت عليه لبرهة، وفي الوقت الذي تؤكد فيه المصادر وصول المواجهات إلى مشارف المدينة، قالت مصادر محلية إن السلطات القائمة في عدن أمرت الموظفين في القطاع العام بترك مقار أعمالهم والتوجه إلى منازلهم، فيما جرى إغلاق مطار عدن، بصورة تامة، بسبب هذه التطورات وألغيت كل الرحلات الجوية من وإلى المطار، وفي سياق التطورات الميدانية، أعلن الحوثيون إلقاء القبض على وزير الدفاع، اللواء الركن محمود سالم الصبيحي، وقائد اللواء «119»، اللواء الركن فيصل رجب في محافظة لحج. وقال محافظ لحج، أحمد عبد الله المجيدي، لـ«الشرق الأوسط» إن الرئيس عبد ربه منصور هادي يوجد في عدن، على العكس مما جرى الحديث بشأن مغادرته المدينة. وتضاربت الأنباء حول مصير الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ففي الوقت الذي تتحدث بعض المصادر عن مغادرته عدن إلى وجهة غير معلومة، يقول مقربون منه إنه ما زال في عدن، رغم اقتراب قوات الحوثيين والموالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح من المدينة، وإنه يدير غرفة عمليات خاصة بتطورات الأوضاع، في الوقت الذي أكدت مصادر مقربة من هادي لـ«الشرق الأوسط» أن هادي وإدارته في عدن كثفوا، خلال الساعات الـ24 الماضية، من اتصالاتهم بدول مجلس التعاون الخليجي ومصر ومجلس الأمن الدولي من أجل تدخل عسكري سريع، وأشاع الحوثيون معلومات عن رصد مكافأة مالية كبيرة تقدر بـ20 مليون ريال يمني لمن يلقي القبض على هادي، في حين كانت الأوضاع شبه طبيعية في صنعاء، رغم التحرك غير الطبيعي للطيران الحربي وللمروحيات في سماء المدينة. وفي محافظة الضالع الجنوبية، تجددت المواجهات المسلحة وسط المدينة (130 كيلومترا شمالا من عدن) ولليوم الثاني على التوالي، وأكدت معلومات حصلت عليها «الشرق الأوسط» أن هذه المواجهات استؤنفت صباح أمس وبشكل كثيف استخدمت فيه مختلف الأسلحة الثقيلة - مدفعية ودبابات - إضافة إلى الأسلحة المتوسطة، فضلا عن تحليق الطيران الحربي في أجواء المدينة، وأكد مصدر عسكري لـ«الشرق الأوسط» أن كثافة النيران وارتفاع حدة الاستخدام لقذائف الأسلحة الثقيلة مصدره قوات «اللواء 33 مدرع» المرابط وسط مدينة الضالع، والذي فتح مختلف أسلحته نحو أحياء مأهولة بالسكان وبقصد إثارة الهلع والخوف بين السكان في محاولته منه إلى الضغط على القوات المدافعة عن المدينة، حسبما تقول المصادر المحلية، ووفقا لأحدث المعلومات فإن تلك القوات التي تدافع عن مدينة الضالع، ما زالت في مواقعها فلم تستطع ميليشيات الحوثي الاقتراب من مواقع المقاومين، خصوصا بعد أن تكبدت، أول من أمس، خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وهو ما اضطرها إلى التراجع قرابة 5 كيلومترات شمال المدينة بانتظار ما ستحرزه قوات الجيش من تقدم في المعركة الدائرة بين الطرفين. يذكر أن معركة أمس، كشفت عن قوة الطرف المهاجم الذي استخدم مختلف الأسلحة الثقيلة والمتوسطة كما أظهرت المعركة عن صلابة المقاومة واستبسالها في مواقعها ودون امتلاكها للأسلحة الثقيلة المتوفرة للقوات الموالية لصالح والحوثي. وقال الناطق الرسمي باسم المكتب الإعلامي لعبد الملك الحوثي، محمد عبد السلام إن ما يجري في الجنوب ليس قضية «مناطقية ولا طائفية، هي مواجهة العناصر التي كانت تريد أن تجعل من الجنوب ساحة للفوضى على غرار ما يجري في سوريا والعراق وليبيا والتي أضرت بالجميع وبلا استثناء»، واتهم عبد السلام حزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي (سني) بأنه «حكم على الجنوبيين خلال عدوان 94م بأنهم كفار ومرتدون وأفتى بأن دماءهم وأعراضهم وممتلكاتهم مباحة، سعى اليوم إلى أن يجعل من الجنوب ساحة من معاركه الخاسرة وبدأ يظهر خلاف ما يبطن إلى القريب العاجل»، ويقول الحوثيون إن حربهم في الجنوب تستهدف التكفيريين، وأضاف الناطق الإعلامي باسم الحوثي أن «مشروع القاعدة والتكفيريين استهدف الجنوب قبل غيرهم وأضر بالقضية الجنوبية العادلة ولهذا فإن مواجهة هذا المشروع المجرم الدموي يعتبر من أولويات أبناء الجنوب، وقد ظهر هذا من خلال الحماس والمشاركة الواسعة في مواجهة هذه العناصر المجرمة». وقال شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» إن الحوثيين اقتحموا السجن المركزي في «صبر» وأطلقوا سراح السجناء والكثير من هؤلاء السجناء محكومون بالإعدام أو السجن لسنوات طويلة. أكد مستشار الرئيس اليمني ياسين مكاوي أن رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي لا يزال مقيما في عدن ولم يخرج منها، محذرا من تداعيات استمرار اختراق ميليشيات الحوثي للأراضي اليمنية ووصولها إلى عدن «لأن ذلك سيكون مدعاة لإشعال المنطقة برمتها». وقال مكاوي في تصريح لوكالة الأنباء السعودية: «إن ميليشيات الحوثيين تُدعم بأدوات خارجية معروفة غرضها السيطرة على المنطقة ككل عن طريق اليمن، وتدعمها أدوات داخلية من أجل النَّيل من السلطة الشرعية لليمن، وتلبية مصالحهم الشخصية على حساب مصالح الشعب اليمني». وأشار إلى أن بلاده تدعو جامعة الدول العربية لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لإقامة حظر جوي في مدينة عدن والمحافظات والمراكز التابعة «التي لا يزال رجالها يقاومون مع القوات المسلحة إلى هذه الساعة الاعتداءات الحوثية الغاشمة على أراضيهم». وحذر من الشائعات التي يروجها أعداء اليمن لزعزعة وتفكيك الشعب اليمني وقياداته التي تقف إلى جانب الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي، مبينا أن الهدف من هذه الاعتداءات ليس اليمن وحسب، بل المنطقة برمتها. وأهاب بالدول العربية تقديم الدعم القوي لليمن، سواء بالتدخل العسكري الذي يوقف زحف المتمردين الحوثيين وأعوانهم، أو عن طريق دعم القوات اليمنية وشعبها بالمعدات والآليات العسكرية لمقاومة هذه الميليشيات الخارجة على النظام. من جانبه، قال الدكتور عيدروس نصر ناصر النقيب، عضو مجلس النواب اليمني (البرلمان) عن الحزب الاشتراكي اليمني إن «الحوثيين وصالح لم يكونوا يستهدفون تعز لذاتها ولا الضالع وتعز لذاتيهما، بل إن كل هذه النقاط ليست سوى محطات للتوجه نحو عدن بذريعة ملاحقة الرئيس هادي، والهدف الأساسي هو استهداف الجنوب بعد ثورته العظيمة التي صمدت في وجه صلف وعنجهية السلطة أكثر من 8 سنوات (الحراك الجنوبي)، ومواصلة استباحة الأرض والثروة التي جنى منها تحالف 1994، عشرات، إن لم يكن مئات المليارات من الدولارات، وللمفارقة فإن الملاحق اليوم ليس متمردا على النظام أو انفصاليا يريد تمزيق الوطن، كما كان يقال في 1994م عن صانع الوحدة اليمنية الرئيس علي سالم البيض، بل إن المطارد والملاحق اليوم هو رئيس شرعي منتخب من أغلب اليمنيين قبل 3 سنوات فقط، ومن يلاحقه هم ميليشيات ليس لها أي صفة، ولا أي اعتبار قانوني أو مؤسسي». وأضاف النقيب لـ«الشرق الأوسط»، تعليقا على التطورات الجارية في الجنوب أن الحوثيين «حاولوا منذ أيام قصف عدن بالطيران الذي دفع ثمنه اليمنيون من قوتهم ودوائهم وحصتهم من الخدمات والأمن الغائبين، ومن غير المستبعد أن يكرروا هذه الحماقات مرات أخرى، وهو مؤشر على أن اليمن كلها تواجه مجموعة مسلحة لا تفهم أي شيء من أبجديات الخصام السياسي وإدارة النزاعات»، ويردف أن «علي صالح والحوثيين يعتقدون أن تفوقهم التقني والكثافة العددية ستجعلان مهمتهم سهلة، لكنهم ينسون أنهم مارقون ومتمردون أولا، ومعتدون ثانيا، وثالثا وهذا هو الأهم أنهم يواجهون شعبا لا يأبه الموت وسيقاومهم وسيتصدى لنيرانهم وسيردهم على أعقابهم لسبب بسيط، لأن هذا الشعب قد عاف الحياة تحت تسلط المغتصب القديم، ولن يقبل بمغتصب جديد جاء متعطشا للسلب والنهب والتسلط»، وتوقع السياسي اليمني أن «معارك المقاومة مع أبناء تعز والبيضاء ومأرب والجوف ومع المواطنين الجنوبيين ستكون قاسية وعنيفة ومؤلمة للحوثيين وصالح وسيندمون على حماقة محاولة تكرار تجربة 1994م»، وقال النقيب إن «الجنوبيين لا يقاتلون دفاعا عن هادي فقط، لأنهم كانوا إلى قبل شهر فقط يسمونه رئيس دولة الاحتلال، لكنهم يقاومون دفاعا عن عرضهم وأرضهم وكرامتهم وحقهم في الحياة، ولذلك سينتصرون، أما الحوثيون وصالح فهم يخوضون حربا غير عادلة وغير مبررة بل عدوانية هي غزو بكل معنى المفردة، وقد يستفيدون من التفوق العددي والتقني لكنهم يعلمون أن شيئا ما لا يتوفر لديهم ويتوفر لدى مقاوميهم والرافضين لهم، إنها الإرادة والمشروعية وعدالة القضية التي يؤمنون بها».