«الوضع المحزن للحرية الدينية حول العالم» كان عنوان دراسة أصدرها مركز بيو للبحوث، وهو ثقة في عمله، عن القيود الرسمية والعداء الشعبي لهذا الدين أو ذاك في دول العالم. كنت أتوقع أن أجد بعض الدول العربية في رأس القائمة، إلا أن دولاً أخرى سبقتها. الأرقام التي قرأتها تعود إلى السنوات 2007-2013، وهي تنتهي في نهاية 12/2013، أو آخر سنة شملتها الدراسة عن البلدان حيث الحكومات تفرض قيوداً على الدين، والبلدان حيث هناك عداء مجتمعي أو شعبي للديانات الأخرى. بالنسبة إلى البلدان وقيودها كانت الدول الاثنتا عشرة الأولى على التوالي الصين ثم إندونيسيا وأوزبكستان وإيران ومصر وأفغانستان والمملكة العربية السعودية وماليزيا وبورما وروسيا وسورية وتركيا. مركزا مصر والسعودية أظهرا تحسناً طيباً عنه سنة 2012، وهو أمر مشجع. إلا أنني حزنت كثيراً لوجود سورية في القائمة، فقد عرفتها صغيراً وكبيراً بلد التسامح الديني، وكتبت مرة عن قسيس بريطاني وبرنامج «ساعة الأحد» في «بي بي سي»، فقد زار القسيس هذا دمشق وحلب وعاد ليقول إنه رأى في سورية أفضل تعايش بين الأديان في العالم كله. الآن «أفضل» موت. ما يعوّض عن القيود الرسمية على الدين أن البلدان العربية لا تكاد تذكر في قائمة العداء الشعبي، فهنا تترأس إسرائيل القائمة وبعدها الهند وباكستان والأراضي الفلسطينية (بين الفلسطينيين والمستوطنين) ونيجيريا وبنغلادش وسريلانكا وروسيا وأفغانستان والصومال وسورية (في المركز الحادي عشر) وتانزانيا. مركز بيو يقول إن المسيحيين والمسلمين يتعرضون لأكثر مضايقة رسمية وشعبية حول العالم، ويزيد أن هذا التوجه لا يخلو من المنطق لأن أكثر من نصف العالم يتبع هذين الدينين. وأرقام 2013 التي قرأتها تظهر أن المسيحيين يتعرضون للمضايقة في 102 من البلدان والمسلمين في 99 بلداً. الرقمان أفضل من رقمي 2012 اللذين كانا 110 بلدان للمسيحيين و109 للمسلمين. القائمة نفسها أظهرت أن اليهود يتعرضون للمضايقة في 77 بلداً مع أن أتباع اليهودية قلة، وبعدهم «ديانات أخرى» (بينها السيخ والبهائيون والزرداشتيون وطوائف ملحدة) في 39 بلداً، ثم «الديانات الشعبية» من نوع ما يوجد في أفريقيا والرقم 34 بلداً، ثم الهندوس. الأرقام التي راجعتها بين 2007 و2013 أظهرت أن كل دين تعرض لصعود أو هبوط في قوائم المضايقات الرسمية والشعبية، باستثناء الدين اليهودي، فقد ازدادت مضايقة اليهود تدريجاً من 26 في المئة من دول العالم سنة 2007، إلى 39 في المئة سنة 2013، هذا مع العلم أن اليهود لا يتجاوزون عدداً 14 مليوناً مقابل بلايين المسيحيين والمسلمين. والأمر هنا لا يقتصر على دول العالم الثالث، فقد نشر مركز بيو قائمة عن أوروبا وحدها، وهي أظهرت أن اليهود مضطهدون في 76 في المئة من دول أوروبا مقابل 25 في المئة من بقية دول العالم. المسلمون أيضاً يعانون مضايقات في 71 في المئة من دول أوروبا مقابل 34 في المئة من بقية دول العالم. وفي أوروبا هناك جماعات تحاول أن تفرض بالضغط رأيها على بقية فئات المجتمع ونسبتها 67 في المئة من الدول الأوروبية مقابل 38 في المئة لبقية دول العالم. وفوجئت أيضاً بأن النساء يتعرضن للاضطهاد في أوروبا بسبب ارتداء ثياب لها علاقة بالدين، والنسبة في أوروبا 49 في المئة من دولها مقابل 22 في المئة لدول العالم الأخرى. كل ما سبق معلومات من مركز بحوث يتمتع بصدقية عالية، فأكمل برأي سريع في الأرقام عن الدين اليهودي لأنني أراها مرتبطة بجرائم الحكومة الإسرائيلية والاحتلال والقتل. كان اليهود موضع عطف العالم كله بعد المجازر النازية التي انتهت بموت ستة ملايين يهودي، ودفع الفلسطينيون ثمن العنصرية الغربية ضد اليهود التي انتهت بالمحرقة وخسروا بلادهم. غير أن حكومة نتانياهو تحديداً أطاحت ما بقي من تعاطف حول العالم مع ضحايا النازية، وقد أصبح الضحية جلاداً، فكانت الأرقام التي عرضتها على القراء في السطور السابقة.