×
محافظة حائل

توقعات بهطول أمطار على حائل والجوف والحدود الشمالية و الرياض والقصيم والشرقية

صورة الخبر

بعد 21 عاماً من التوتر الدولي و18 شهراً من المحادثات المكثفة، حددت إيران ودول مجموعة «5 + 1»، وهي الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، مهلة تنتهي في 31 آذار (مارس) الجاري للتوصل إلى اتفاق يضمن عدم امتلاك إيران سلاحاً نووياً مطلقاً، مقابل تجميد العقوبات التي أثقلت كاهلها. وإذا كانت المفاوضات تقف على محك اختبار، فإن التقدم الملموس الذي أحرزته في لوزان طوال الأسابيع التي خلت فتح الباب أمام مسار جديد للعلاقات الإيرانية - الأميركية من جهة، وكشف عن محاولات لإعادة صوغ نظام إقليمي تكون طهران في الصدارة منه، أو على الأقل ضمن مكوناته، وهو الأمر الذي أثار قلق أعداء إيران في المنطقة وهواجس المختلفين معها، وأبرزهم إسرائيل. ولذلك صبَّ نتانياهو جام غضبه في كلمته أمام الكونغرس الأميركي مطلع آذار الجاري على الرئيس أوباما لتهاونه مع إيران وبرنامجها النووي، واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي في كلمته أن النظام الإيراني يشكل خطراً على العالم. صحيح أن نتانياهو لم يقصد أن يعكس سير المفاوضات الدائرة بين واشنطن والعواصم الغربية مع إيران، إلا أنه أراد التأثير في توجهات أعضاء الكونغرس، خصوصاً الجمهوريين الذين يعتبرون إيران دولة مارقة، لضمان منح الحد الأدنى من الفوائد لإيران مع الالتزام بضمان تقييد طموحاتها النووية. وتراهن إدارة أوباما على إنجاز تسوية سياسية نهاية هذا الأسبوع للملف النووي الإيراني، تمهيداً لدفع المحادثات التقنية حول التعقيدات الكثيرة التي تعيق إتمام اتفاق شامل، لا سيما أن إدارة أوباما لا تميل -على عكس الجمهوريين- إلى خيار الحرب مع إيران، بالنظر إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأجهزة الاستخبارات الغربية لم ترصد أبعاداً عسكرية للبرنامج النووي الإيراني حتى اليوم. في هذا السياق؛ أثار الدور المتنامي لإيران في المنطقة، والصفقة التي تسعى القوى الدولية للتوصل إليها مع طهران الحديث عن مواقف القوى الإقليمية في المنطقة من البرنامج النووي الإيراني، وانعكاسات التسوية المحتملة على دول الإقليم، وفي مقدمها القاهرة والعواصم الخليجية، خصوصاً في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة والسيولة السياسية التي يعاني منها قطاع معتبر من دول الجوار الإيراني بعد ثورات الربيع العربي. والأرجح أن إيران تقف على مسافة متناقضة سواء من جوارها العربي أو جارتها الغربية تركيا، ولذلك سعت تاريخياً إلى إيجاد موطئ قدم في المنطقة وتعزيز مواقع نفوذها، فمن طريق الشيعة في العراق تمكنت من التحكم في القرار السياسي لبغداد، فضلاً عن التغلغل في سورية واليمن ولبنان، إلى جوار علاقة خاصة مع حركة «حماس». ولم تكن العلاقات الإيرانية - الخليجية بدورها على ما يرام، فقد دخل المناخ مرحلة الشحن منذ عام 1925 حيـن ضمت إقـليم عـربستـان المعـروف حالياً بـ «الأهواز» إلى أرضيها ثم احتلال الجزر الإماراتية في مطلع سبعينات القرن الماضي، ووصل التوتر الذروة مع قيام الثورة الإسلامية ومحاولة تصديرها، ناهيك عن استنهاض النزعات المذهبية. وكان بارزاً، هنا، الدور الإيراني في تأجيج الاحتجاجات في البحرين. في المقابل تظل العلاقات الإيرانية- المصرية هي المحدد الرئيس لطبيعة الإقليم وتوازناته، فعلى رغم بُعد الجوار الجغرافي بينهما، إلا أن كل دولة منهما تعتبر الأخرى دولة جوار استراتيجي، واتسمت العلاقة بينهما طوال العقود التي خلت بالمراوحة، كما ظل منحنى العلاقة ما بين الصعود تارة والهبوط تارة أخرى. وتشكلت مع الوقت معادلة معقدة ترتكز على حالة من «اللاتعاون واللاصراع»، حددتها طبيعة التفاعلات الإقليمية لكلا الدولتين. والأرجح أن الرؤية المصرية لإيران تستند إلى مفهوم سياسات التهديد، فهناك سياسات تتحفظ عليها مصر في السلوك الإيراني، فعلى سبيل المثال تنتقد القاهرة دعم طهران حركة «حماس» التي اعتبرتها محكمة مصرية مبدئياً منظمة إرهابية، ناهيك عن مسافة سياسية في شأن تسوية الأزمة السورية، وكذلك الخلاف في شأن الرؤية الإيرانية لدول الخليج. ليس ما سبق كل ما يساهم في توسيع الرتق بين القاهرة وطهران، فثمة صراع مذهبي كشفته محاولات الأخيرة بإيقاع متسارع اختراق الأزهر، معتبرة ذلك أداة لمد نفوذها السياسي في دول الجوار العربي ضمن مشروع أكبر لقيادة الشرق الأوسط بعد ثورات الربيع. وبحسب تقارير أمنية، فإن طهران استغلت انشغال الرأي العام في مصر بتداعيات الاستقطاب السياسي في البلاد منذ رحيل مبارك وإطاحة مرسي، في تكثيف مخطط اختراق مؤسسة الأزهر عبر خطوات عدة، كان آخرها تسريب مقاطع فيديو وصور حول زيارات قام بها عدد من الشيوخ الأزهريين إلى مدينة قم الإيرانية، ولقاءاتهم بالآيات الشيعية ورفعهم الأذان بحسب المذهب الشيعي. لكن محور الخلاف الأهم يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني وطبيعة المفاوضات النووية التي تدور بين طهران والغرب. وتسير الرؤية المصرية في اتجاه أن إيران ترغب في امتلاك خيار نووي يسمح لها باستعراض قوة وابتزاز نووي بلا نهاية من جهة، وإعادة تفكيك المنطقة وبناء نظام إقليمي تكون هي مرتكزه ومحوره الرئيسي، من جهة ثانية. وإذا كانت القاهرة تقف ضد امتلاك إيران أو أي من دول المنطقة أسلحة نووية، ففي المقابل أثار التوافق النووي قلق القاهرة، فهي تبدو متوجسة من تداعياته المحتملة على مصالحها ودورها الإقليمي، لذلك اندفعت القاهرة للتنسيق مع القوى الإقليمية الخليجية، وبدا ذلك في تأكيد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال زيارته السعودية نهاية شباط (فبراير) الماضي التزامه أمن الخليج، إذ اعتبره «خطاً أحمر»، ونبَّه إلى أن الأمن القومي لمصر يمر عبر دول الخليج. ولأن القاهرة تعتقد أن نظام الملالي في إيران لن يستجيب مبادرات إقليمية في شأن تسوية برنامجها النووي، بل زاد من تدخله في الشأن الداخلي لبعض دول المنطقة كما هو حادث في اليمن وسورية والعراق ولبنان، فقد طرحت الدولة المصرية مشروع إنشاء قوة عربية يمكن أن تكون رافعة للعمل العربي المشترك في مواجهة النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة. على صعيد ذي شأن؛ فإن الاتفاق النووي أنتج حراكاً سياسياً داخل القاهرة، مع ظهور دعوات إلى ضرورة استثماره في تفعيل البرنامج النووي السلمي المصري، لذلك تحركت مصر باتجاه تنشيط برنامجها النووي الذي تعود بدايته إلى عام 1961. وفي خطوة لافتة، وقعت القاهرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته القاهرة في شباط الماضي اتفاقية لإقامة محطة نووية في منطقة «الضبعة» في مصر. والحقيقة أن الموقف الرسمي للقاهرة تجاه الأزمة النووية الإيرانية ينطلق من ثوابت عدة ترتكن إليها السياسة المصرية، أولها أن امتلاك إيران للسلاح النووي قد يرفع درجة حرارة الأزمة في المنطقة، لأنه يمس الاستقرار السياسي والمصالح الإقليمية في المنطقة، إذ يجعل إيران وحدها تمسك بمفاصل المنطقة وأعصابها الحساسة. في المقابل فإن البعد العسكري المحتمل في البرنامج النووي الإيراني، وتخطيط إيران لامتلاك عشرات الآلاف من أجهزة الطرد المركزي في المستقبل، ربما يعيد تغيير، فضلاً عن احتمالية تغيير، التوازنات الدفاعية في المنطقة لمصلحة إيران، فضلاً عن أنه يزيد من صعوبة الجهود المصرية لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، ويعطي إسرائيل الفرصة للتوسع في مشاريعها النووية. من ناحية أخرى، فإن اهتمام مصر بالحصول على التكنولوجيا النووية السلمية، يجعلها تراقب عن كثب السياسة الدولية تجاه إيران في مجال تطوير التكنولوجيا النووية، لاسيما أن القاهرة تطمح للتحول إلى قوة عظمى على المستوى العسكري، وهو ما تعكسه الإستراتيجية القومية الدفاعية للبلاد، والتي كشفتها عقود التسليح أخيراً مع روسيا وفرنسا. وراء ذلك، ثمة حرص مصري على تطوير القدرات النووية السلمية بالنظر إلى ‏ارتفاع أسعار النفط ومشتقاته التي باتت تمثل عبئا على كاهل الاقتصاد، ناهيك عن تقديرات غير مريحة في شأن احتياطات النفط والغاز في مصر، لذلك كان التفكير جدياً في إعادة إحياء برنامج الطاقة النووي المعلق‏. القصد أن الصفقة النووية مع إيران ستنال من طبيعة التوازنات الإقليمية، فالكل يعي أن الصفقة والعقوبات الاقتصادية تشمل أيضاً ملفات مهمة في الصراع الجيوسياسي. والمسألة التي تشغل الجميع، خصوصاً القاهرة، هي الأدوار والنفوذ في النظام الإقليمي. وربما تكون القاهرة أحد الأطراف الإقليمية التي ستتأثر بالاتفاق النووي حال نجاح إيران في تحقيق اختراق، والالتفاف على القضايا الخلافية التي تشمل حجم قدرات التخصيب وعدد أجهزة الطرد المركزي ومستقبل برامج الأبحاث النووية ومخزون إيران من اليورانيوم. لذلك تسعى القاهرة إلى الاستفادة بدورها من المشهد النووي الإيراني، سواء بالضغط لجهة تقييد طموحات إيران النووية، أو إعادة ترسيم المشهد الإقليمي ببناء قوة عربية تجعلها في مقدم الفاعلين الإقليميين، فثمة مخاوف مصرية من الانفتاح الأميركي على إيران، والذي من شأنه الإخلال بالتحالف الوثيق بين القاهرة وواشنطن، أو بين الأخيرة والرياض، بما يسمح بمزيد من الهيمنة الإيرانية على المنطقة.