استنكرت المعارضة الجزائرية بشدة خطابا للرئيس عبد العزيز بوتفليقة اتهمها فيه بـ«اتباع سياسة الأرض المحروقة»، بسبب دعوتها إلى انتخابات مبكرة بحجة عجز الرئيس بدنيا عن أداء مهامه. وخلف خطاب الرئيس، الذي قرأه نيابة عنه أحد مستشاريه، زلزالا سياسيا في البلاد. وقال علي بن فليس، رئيس الوزراء سابقا والمتحدث باسم حزب «طلائع الحريات» المعارض، في بيان أمس، إن «حالة شغور السلطة تجعل من الصعب معرفة من هو المسؤول الأول في البلاد»، في إشارة إلى أن الرئيس مريض، ومنسحب من الحياة العامة، وأنه لم يخاطب الجزائريين بنفسه في ذكرى «عيد النصر» (19 مارس/ آذار 1962). وأفاد بين فليس بأن «الخطاب المقروء في غرداية (600 كلم جنوب العاصمة) يقسم بدل أن يوحد، ويتهم على باطل (المعارضة)، وينفي كل الممارسات المشينة للسلطة ويعتدي ويستفز، في يوم احتفال وطني، بينما الاحتفالات بالأعياد الوطنية في البلدان تشكل لحظة قوية للوحدة المقدسة». وهاجم بوتفليقة بشدة قوى المعارضة أول من أمس، بسبب مواقفها من سياساته في الاقتصاد ونظرتها لقضايا الحريات والديمقراطية، حيث اتهمها بـ«ارتكاب منكرات تضر بالجزائر». وجاء في خطاب للرئيس الذي وصف بالعنيف، أن «هناك أناسا اعترتهم نزعة خطيرة إلى اعتماد سياسة الأرض المحروقة، لذلك فالوضع يقتضي الحزم والصرامة في الدفاع عن الدولة الجزائرية». وفهم من كلامه أنه يقصد «تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي»، التي تضم أهم أحزاب المعارضة الإسلامية والعلمانية والليبرالية. وفي هذا الخطاب استعمل بوتفليقة لأول مرة «ألفاظا حربية» ضد خصومه السياسيين. فالحديث عن «سياسة الأرض المحروقة»، هو تشبيه لممارسات الاستعمار الفرنسي بالجزائر (1830 - 1962)، الذي قتل وشرد مئات الآلاف من الجزائريين وأحرق أراضيهم ودمر منازلهم، على سبيل الانتقام من مجاهدي حرب التحرير. وقال عبد الرزاق مقري، رئيس الحزب الإسلامي «حركة مجتمع السلم» على صفحته بـ«فيسبوك»: «لماذا يدمج في الدول المتخلفة رئيس الدولة شخصه في الدولة ذاتها؟ لماذا يعتبر نقده هو، كشخص معرض دستوريا للنقد، إساءة للدولة؟ هل يفهم من خطاب رئيس الجمهورية بأنه هو الدولة، وأن المساس بشخصه هو مساس بالدولة؟ هل هذا هو فهمه للدولة؟ وهل هذه هي ثقافة الدولة التي يكون عليها المسؤول؟». وتنتقد المعارضة سياسات الرئيس بشدة، وتتهمه بـ«العجز» عن مواجهة الأزمة الاقتصادية الداخلية التي أفرزها انهيار أسعار النفط. كما ترى أن مرض الرئيس أثر سلبا على سير مؤسسات وأجهزة الدولة، وبناء على ذلك تطالب بانتخابات رئاسية مبكَرة. وأظهر بوتفليقة في الخطاب حساسية كبيرة من هذه الانتقادات، إذ قال: «إنني أرى جموعا من أدعياء السياسة تعمد، صباح مساء، إلى بث الخوف والإحباط في نفوس أبناء هذا الشعب وبناته وإلى هدم ثقتهم في الحاضر والمستقبل. إلا أن أراجيفهم لم تنطل ولن تنطلي على هذا الشعب الأبي الأريب، الذي يمقت الشر ومن يتعاطاه ولا يروم سوى الخروج مما بقي من تخلفه بتحويل طاقة شبابه، كل شبابه، إلى حراك وطني شامل عارم يبني ولا يهدم». ولم يخاطب الرئيس الجزائريين، بصفة مباشرة، منذ 8 مايو (أيار) 2012 وحينها أوحى بأنه لن يترشح لولاية جديدة بمناسبة الانتخابات التي جرت في ربيع 2014. وأصيب بوتفليقة بجلطة في الدماغ يوم 27 أبريل (نيسان) 2013 استدعت نقله إلى فرنسا للعلاج. وبعد 88 يوما قضاها في المشفى بباريس، عاد، غير أن نشاطه أضحى شبه منعدم، ما عدا بعض الإطلالات في التلفزيون بمناسبة استقبال وفود أجنبية. وأفاد «التجمع الوطني الديمقراطي»، وهو حزب موالٍ للرئيس، بأنه «يدعم بقوّة ما تضمّنته من توجيهات، وما حدّدته من معالم، ومن شجب لتصرفات غير مسؤولة من بعض أطراف المعارضة التي ترمي إلى التصعيد واستخدام مفردات لا تتناسب وطبيعة النقاش السياسي الحالي على السّاحة الوطنيّة، إذ إن التوجّه نحو التشنّج والاحتقان والاستثمار في أوضاع عارضة يكشف عن عجز في الرؤية، وسعي لإثارة الفوضى، وتبني منهج الأرض المحروقة، وهو ما يتعارض مع أخلاق المجتمع الجزائري وثقافته في التضامن والوحدة».