×
محافظة المنطقة الشرقية

أمطار غزيرة على قرى ظهران الجنوب

صورة الخبر

ابن عبد ربه أبو عمر شهاب الدين القرطبي الأندلسي (ت327)، ولد ونشأ في قرطبه وتمثل ثقافة عصره الغنية. درس الفقه والتفسير والحديث والنحو والتاريخ والأدب. أحب الموسيقى والغناء ولازم أمير قرطبة عبدالرحمن الناصر. كان أهم كتبه (العقد الفريد) في مجال الأدب، وهو العلم الذي يهدف، في عرف ذلك الزمان، إلى صلاح اللسان من فصاحة وبلاغة وغيرها، وصلاح النفس في تحسين السلوك الأخلاقي، ويشمل السياسة والأخلاق، ويقتضي الانفتاح على شتى صنوف الثقافات. نشأت عملية جمع موضوعات الأدب ساذجة إلى أن غدت ناضجة لدى الجاحظ في (البيان والتبيين) و (كتاب الحيوان) اللذين جعلهما معرضاً لكل الثقافات من عربية ويونانية وفارسية وهندية، وتميَّز أسلوبه بفوضى الموضوعات، ففي كل فصل من فصول الكتاب انتقال سريع للموضوعات، واستطراد لا يُحد. والحق أن الجاحظ –كما يقول أحمد أمين- مسؤول عن الفوضى التي سادت كتب الأدب العربي، فجرى على منواله المبرد في (الكامل)، وابن قتيبة في (عيون الأخبار)، وابن عبد ربه في (العقد الفريد)، فتلك المؤلفات فيها شيء من روح الجاحظ وإن دخلها شيء من التبويب. رتَّبتها ابن قتيبة وابن عبد ربه بحسب الموضوعات المتشابهة. ومع تشعب موضوعات الأدب، تحولت تلك الكتب إلى ما يُشبه الموسوعات، تجمع شتى العلوم، وأطرافاً من السياسة والتاريخ، إلى الجغرافية، والآداب والسلوك والإنسان والغناء والألحان والبخل والكرم والصفات والطباع. قدَّم ابن عبد ربه كتابه (العقد الفريد)، خير مثال على ذلك التأليف الأدبي، حيث جعله يشتمل –كما يقول أحمد أمين- على فنون الآداب والحكم والنوادر والأمثال، وأيضاً على ما يسميه صناعة الألحان والغناء والحديث عن النساء، ثم يعرج على مدعي النبوة والمجانين والبخلاء، ولا ينسى طبائع الإنسان والأمم والتفاضل بين صفاتها، ومزج فيه بين الثقافات العربية والثقافات الأخرى. لكن ابن عبد ربه لم يتأثر في شكل واضح بالأدب اليوناني، بقدر تأثره بالأدبين الفارسي والهندي. فضمَّن كتابه حِكَماً من أردشير وبزرجمهر أكثر من أفلاطون وأرسطو، وضمَّنه اقتباسات من نظام الحكم الفارسي، وتصوره للعدل والتراتبية الاجتماعية وحكايا الملوك. يشبَه كتابه (العقد الفريد) بإخراجه (عِقْد النساء)، المكوّن من خمس وعشرين جوهرة، تتوسطها الواسطة. وقال: «سميته كتاب العقد الفريد لما فيه من مختلف جواهر الكلام مع دقة السِّلك وحسن النظام. وجزأته على خمسة وعشرين كتاباً، وقد انفرد كل كتاب منها باسم جوهرة من جواهر العقد... لي فيه تأليف الأخبار، وفضل الاختيار، وحسن الاختصار...وفرش (قدَّم) في صدر كل كتاب ... مأخوذ من أفواه العلماء ومأثور عن الحكماء والأدباء... جعلت هذا الكتاب كافياً شافياً جامعاً لأكثر المعاني التي تجري على أفواه العامة والخاصة، وتدور على ألسنة الملوك والسوقة». يبدأ بالكتاب الأول المسمى (اللؤلؤة في السلطان). ويقدِّم لكتابه الثاني (الفريدة في الحرب) بالقول: «حرب رحى، ثقالها الصبر، وقطبها المكر، ومدادها الاجتهاد، وثقافتها الأناة، وزمامها الحذر». ويقتبس من الهند قولهم: «الحازم يحذر عدوه على كل حال، يحذر المواثبة إن قرب، والمعاودة إن بعد». ثم (كتاب الزبرجدة في الأجواد والأصفياء). و (الكتاب الرابع:الجمانة في الوفود). وفود الحكام والملوك. والكتاب الخامس (المرجانة في مخاطبة الملوك). إن الكلام جعله الله بينه وبين خلقه وسيلة نافعة وشافعاً مقبولاً. بعدها الكتاب السادس (الياقوتة في العلم والأدب). والكتاب السابع (الجوهرة في الأمثال). وهي وشي الكلام وجوهر اللفظ، وحكي المعاني... هي أبقى من الشعر وأشرف من الخطابة. والكتاب الثامن (الزمردة في المواعظ والزهد). وما تفننوا فيه على كل لسان، ومع كل زمان. والموعظة ثقيلة على السمع، مُحرجة على النفس، بعيدة عن القبول لاعتراضها الشهوة ومضادتها الهوى الذي هو ربيع القلب. والكتاب التاسع (الدرَّة في التعازي والمراثي). يبدأ هذا الكتاب بالقول عن الموت، الجزع من الموت، ثم البكاء على الميت، ثم القول عن المقابر وتأبين الموتى، ثم إلمراثي. والكتاب العاشر (اليتيمة في النسب وفضائل العرب). تتعاطف الأرحام بالنسب. وعليه تحافظ الأواصر القريبة. فمن لم يعرف النسب لم يعرف الناس، ومن لم يعرف الناس لم يعد من الناس. والكتاب الـ 11 (العسجدة في كلام العرب). ثم الكتاب الـ 12 (كتاب المجنبة في الأجوبة). والكتاب الـ 13 (الواسطة في الخطب). يصبح هنا في وسط عقد الكتاب. «واعلم أن جميع الخطب على خبرين منها الطوال ومنها القصار، ولكل ذلك موضع يليق به ومكان تحسُن فيه. وأول ما نبدأ به خطب النبي، ثم السلف المتقدمين، ثم الجلة من التابعين والجلة من الخلفاء الماضين والفصحاء المتكلمين». والكتاب الـ 14 (العسجدة الثانية في الخلفاء). والكتاب الـ 16 (اليتيمة الثانية أخبار الحجاج وزياد والطالبيين). والكتاب 17 (الدرة الثانية في أيام العرب). والكتاب الـ 18 (الزمردة الثانية في فضائل الشعر)، والكتاب 19 (الجوهرة الثانية في أعاريض الشعر).والكتاب الـ 20 (الياقوتة الثانية في الإلحان أو الغناء). والكتاب الـ 21 (المرجانة الثانية في النساء وصفاتهم). والكتاب الـ 22 (الجمانة الثانية في المتنبئين «مدعي النبوة» والمحرورين (المجانين) والبخلاء والطفيلين). والكتاب الـ 23 (الزبرجدة الثانية في بيان طبائع الإنسان وسائر الحيوان وتفاضل البلدان) يجمع بين البحث عن النفس، والبنيان والدور، إلى الزي واللباس، إلى أنواع الحيوان، والمفاضلات بين البلدان. وأخبار الطب والرَّقى والحجامة والسحر. والكتاب الـ 24 (الفريدة الثانية في الطعام والشراب)، وهما قوام الأبدان وعليهما بقاء الأرواح. والكتاب الـ 25 (اللؤلؤة الثانية في الفكاهة والملَح)، وهي نزهة النفس، وربيع القلب. وفي كتاب السلطان يكثُرُ النقل من الفرس والهند. استهله بالقول: «السلطان زمام الأمور، ونظام الحقوق، وقوام الحدود، والقطب الذي عليه مدار الدين والدنيا، وهو حمى الله في بلاده وظله الممدود على عباده»، ليخلص إلى القول: «طاعة السلطان من طاعة الله». وهذه الأقوال ومثيلتها تلتقي مع الموروث الفارسي الذي يحض على تقديس الحاكم وعلى أخلاق الطاعة. ثم تتوالى فصول الكتاب مُكرِّساً فيها قيم الطاعة الكسروية. وهو ما يتجلى بوضوح في كتاب السلطان، و كتاب المرأة، حيث ترتسم فيه النظرة الدونية للمرأة (امرأة الفراش). ويعرض لـ (صفة المرأة السوء) و (قولهم في الجارية) وفي (مكر النساء)، وأفضل النساء «التي تطيع زوجها، وتلزم بيتها». فتشبعت صفحات الكتاب بأقوال ومرويات وصور، مُشبعة بأخلاق الطاعة، ورسمت سلَّماً للقيم يحتل السلطان ذروته، تليه درجات تتحدد وضعية كل منها على كونها (مطيعة) للتي فوقها ومطاعة من التي تحتها.