تحولت ديات العفو في حالات القتل إلى تجارة رابحة للعديد من السماسرة العاملين في هذا المجال أو بعض أولياء الدم، بعد أن سجلت أرقاما قياسية تعتبر الأعلى على مستوى العالم، فقد بلغ أكبر مبلغ دية قتل طلبها أحد المواطنين من أجل العفو عن القاتل 65 مليون ريال، ومع مساعي الخيرين تخفض المبلغ واستقر عند 45 مليون ريال. ورغم أن الدية حق مشروع لولي الدم شرعه الله سبحانه وتعالى، إلا أن الغلو سواء في المطالبة بهذا الحق، أو في تحويله إلى وسيلة للتجمل والمظاهر الاجتماعية، وكذلك دخول بعض الأطراف من السماسرة ومحترفي الصيد في الماء العكر، حولته إلى نوع من التجارة في الأرواح والدماء، لا يقبلها الشرع، ولا يستسيغها المجتمع. «المدينة» تعيد فتح القضية، من أجل التعرف على تفاصيلها وإلى أين وصلت، وكيفية تداركها ومعالجتها، عبر هذا الموضوع.. مشايخ القبائل: المبالغة في الديات أمر غير مقبول.. والحل في التوعية والضوابط يؤكد الشيخ رشيد بن مساعد المالكي، شيخ قبيلة بني عاصم من بني مالك، أن المبالغة في الديات للتنازل عن القصاص وقيمة الصلح في قضايا القتل ظاهرة لا تمت بأية صلة للدين الإسلامي ولا إلى المجتمع السعودي المتمسك بالشرع الحنيف الذي تحض تعاليمه على التخفيف والسماحة، منوهين بضرورة تكثيف الوعي الشرعي بين الناس والتحذير من تلك الظاهرة السيئة وحثهم على أهمية إحياء فضيلة العفو ابتغاءً للأجر والمثوبة من الله تعالى.. وإن الشريعة الإسلامية الغراء جاءت لحفظ مصالح العباد في الحال والمآل وأنبنت أحكامها على العلل الجالبة للمصالح وجوبًا وعدمًا، وكان من أسمى أهدافها وأنبل غاياتها جلب المصالح ودرء المفاسد في كل الأمور والأحوال والظروف واتفقت العقول على صيانتها ورعاية مصالحها ومن أهمها حفظ النفس البشرية وحمايتها والتأكيد على كرامتها وحقوقها في مختلف مناحي الحياة وشؤونها، وكذلك الأحكام العرفيه بين القبائل لا تؤيد المبالغة في الديات، ويجب على الزملاء مشايخ القبائل محاربة هذه الظاهرة وعدم التمادي فيها واتباع الأطماع الواهية وابتغاء ما عند الله سبحانه وتعالى في العفو والسماح أفضل من الدنيا ومافيها من كنوز. ويشير الشيخ عايض بن ساير بن عنيبر الجعيد، شيخ شمل قبيلة الجعدة، إلى أن الشريعة السمحة أعطت أولياء الدم الحق الشرعي في أخذ حقهم ممن اعتدى عليهم بالقتل مع إعطائهم الخيار في العفو لوجه الله، فمن عفى كان له الأجر العظيم من الله. وأشاد بما يقوم به خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله -، في السعي وطلب الشفاعات، واصفًا أيادي الملك المفدى - رعاه الله - بالبيضاء في هذا الجانب، لاسيما أنها أسفرت عن عتق الكثير من الرقاب بدون مقابل، سائلا الله تعالى أن يجزل له الأجر والمثوبة ويجعل ذلك في موازين حسناته إنه سميع مجيب. وبين أنه ضد ما يقوم به البعض من المبالغة في الديات التي تدفع لأولياء الدم مقابل التنازل، لأنها باتت أشبه بالتجارة التي يتخذها البعض، مستغلين رغبة الجاني في النجاة من القصاص، بهدف الحصول على نصيبهم من المبالغ المجموعة لهذا الشأن، بوصفهم ضمن الساعين للصلح في هذه القضايا. ودعا أهل الفكر والرأي من علماء وأكاديميين وخطباء جوامع إلى تكثيف الوعي الديني بين الناس والتحذير، من تلك الظاهرة السيئة للإسهام في كبح جماح ممن يقوم بذلك من المبالغة في هذا الأمر والأخذ على أيديهم ومعالجة هذه الظاهرة السيئة بما يحقق المصلحة ويدفع المفسدة. على الوجهاء حث المجتمع بعدم المبالغة في الديات الشيخ عبدالله بن صالح بن زاحم شيخ قبيلة شوقب بني مالك قال: مما لا شك فيه ان المبالغة في قيمة الديه في قضايا القتل هي من الظواهر السلبية السيئة التي لا تمت للدين الاسلامي بصلة ولا للمجتمع السعودي الكريم والشريعة الاسلامية وان أعطت لذوي الدم الحق الشرعي في القصاص ممن اعتداء عليهم إلا أنها أعطتهم أيضا خيار العفو لوجه لله عزوجل، حيث قال تعالى فمن عفا وأصلح فأجره على الله لذلك يجب التركيز على التوعية الدينية من خلال وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة ونشر ثقافة العفو التسامح في المجتمع وإبراز مواقف الرجال العظماء الذين ضربوا أروع الأمثلة في العفو لوجه لله تعالى، إضافة إلى ضرورة تخصيص لجان بأمارات المناطق ومحافظاتها ومراكزها تكون مهمتها قضايا الدم فقط ويتم تشكيل أعضائها من الكفاءات البارزة المعروفة بالورع التقوى والنزاهة من أهل العلم الشرعي ورجال الأعمال والمثقفين وشيوخ القبائل والأعيان والوجهاء الراغبين في العمل الخيري وتقديم التسهيلات اللازمة لهم لمساعدتهم على القيام بمهمة الإصلاح في هذة القضايا، كما أنني أقترح أن يكون هناك تنسيق رسمي بين هذه اللجان والمحاكم الشرعية بحيث تقوم المحكمة بإبلاغ هذه اللجان بالقضايا المنظورة لديها، وذلك لإتاحة الفرصة للجان الإصلاح للقيام بدورها وقطع الطريق على اصحاب النفوس الضعيفة الذين يتربحون من الصلح في مثل هذه القضايا وفي الختام أود الاشادة بالدعم السخي الذي تقوم به الدولة ايدها الله بقيادة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده وسمو ولي ولي العهد حفظهم في خدمة هذا الملف الإنساني. وأوضح الشيخ حمد حميد بن ذياب الثقفي شيخ قبائل بني جاهل بثقيف أن المبالغة في الديات وعوض العفو عن القصاص يأتي سببًا في قلة الوعي بأهمية العفو ودعوة لإبقاء العداوة وقطع المعروف بين الناس، والمبالغات فيها قد تكون ظاهرة اجتماعية في مجتمعنا، ولكن هذا لم يمنع الكثيرين من أولياء الدم من أن يعفوا لوجه الله، وبعضهم يكتفي بالدية الشرعية المحددة. وقال: كثير من المشرعين وعلماء الدين تصدوا لهذه الظاهرة وحذروا من المبالغة فيها، كما أن توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله- بأن ما تجاوز حد الخمسمئة ألف ريال مقابل العفو عن القصاص مبالغ فيه، يعتبر توجيهًا حكيمًا وصائبًا ويتفق مع ما أصّلته الشريعة الإسلامية. ولكن من المؤسف أن نرى المبالغ التي يتم جمعها مقابل تنازل عن الدم قد تصل الى عشرات الملايين أحيانا وهذا فيه إجحاف كبير في حق من وقع عليه الدم وذووه مع أن المعلوم بأن أي مبالغ لايمكن أن تعادل حياة الإنسان الذي كرمه الله، ولكن لايجب المبالغة في طلب الديات. كما أن التعويض لابد يكون في حدود المعقول وبالتراضي بين الطرفين لتحقيق الهدف منه، ولا ننسى قوله تعالي (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم)، إذ لا قيمه لعفو ينجو به الجاني من القصاص وتهلك بسببه أسرته وقبيلته في جمع المال وإراقة ماء الوجه على أبواب المحسنين من أجل توفير ما اشترطه أهل القتيل من عوض. المزيد من الصور :