يدخل قطاع البتروكيماويات السعودي، مرحلة جديدة في المنافسة على مستوى العالم، وذلك بعد أن تصدرت المملكة المركز الـ11 في الترتيب العام، إذ يتوقع مع فتح المجال للقطاع الخاص، أن تتقدم البلاد خلال السنوات الخمس المقبلة للمراتب الأولى في صناعة البتروكيماويات. ويعول على قطاع صناعة البتروكيماويات، في رفع الناتج المحلي، وفتح آفاق جديدة للتوظيف وتوطين الوظائف في مختلف التخصصات، مقارنة بما يقدمه هذا الصناع في المرحلة إذ يشكل نسبة كبيرة من الناتج المحلي، فيما يحتضن القطاع أكثر من 50 ألفا من المختصين والفنيين في كل التخصصات. وفي خطوة لدفع القطاع الخاص للمشاركة في هذه الصناعة التي تقبل عليها الأسواق العالمية، مع توقعات أن الطلب الطويل الأجل على البتروكيماويات سيكون إيجابيا في المرحلة القادمة، خاصة وأن الاقتصادات الناشئة كالصين والهند، سجلت ارتفاعا في معدل الاستهلاك، وعمدت الجهات المعنية في السعودية إلى تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال لتحقيق الريادة على مستوى العالم في توريد البتروكيماويات والاتجاه نحو التنوع في القيمة المضافة لمنتجات البتروكيماويات، ومركبات البوليمرز الكيميائية. وتنتج السعودية قرابة 7 في المائة من الإنتاج العالمي من مخرجات صناعة البتروكيماويات، مما وضعها على قائمة الدول المصدرة عالميا، وذلك عند المرتبة الـ11، في وقت تسعى فيه بحسب مختصين للوصول إلى المركز الـ7 عالميا، خلال السنوات المقبلة، فيما تستحوذ على ما نسبته 70 في المائة، من إجمالي الصناعات العربية، وأكثر من 70 في المائة من حجم الصناعة على مستوى الخليج، وذلك يعود لتوافر الغاز الطبيعي وانخفاض تكاليف نقله. ويقول سعيد بن زقر، عضو مجلس إدارة الهيئة السعودية للمدن الصناعية لـ«الشرق الأوسط»، إن «صناعة البتروكيماويات من الصناعات المهمة في السعودية، وستستمر الجهات المعنية في هذا التوجه ودعم الصناعات ذات القيمة، خصوصا أن حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، تهتم بهذا الجانب من خلال التطوير الدائم والعمل على الاستدامة والاستثمار في الطاقة المتجددة، والاستمرار في رفع جودة البنية التحتية». وأكد بن زقر، أنه رغم التوقعات عن نفاد النفط في عام 80 من القرن الحالي، فإن السعودية ستضل المصدر الأكبر للطاقة في الوقت الراهن من البترول، وفي السنوات القادمة من خلال الطاقة المتجددة، موضحا أن صناعة البتروكيماويات خطت خطوات كبيرة وجبارة على المستوى الإقليمي والمحلي في وضع المملكة على الخارطة الدولية كإحدى أهم الدول المصدرة. وأضاف عضو مجلس إدارة الهيئة السعودية للمدن الصناعية، أن «الصناعة على المستوى المحلي مرت بعدة مراحل، إذ نجحت في السنوات الخمس الماضية من تطوير الاستثمار في البنية التحتية والكهرباء والمساحات للمدن الصناعية، والذي نتج عنه وجود أكثر من 5500 مصنع مختلف النشاط، وهناك نقله في تحول المناطق الصناعية من أرض صناعية إلى مدينة متكاملة تتوفر بها كل الخدمات، في حين تلت هذه الخطوات البحث عن الصناعة وجودتها وبيئة التصنيع والتي تشمل كذلك الصناعات النسائية وفق أطر شرعية». وحول ضعف حجم الاستثمار في هذا القطاع واستحواذ «سابك» على النصيب الأكبر، قال بن زقر، إن «هناك قيودا بيروقراطية من الجهة المنظمة لمدخلات الإنتاج في قطاع البتروكيماويات، منها الغاز، وهذه الجهة تعمل بطريقة محددة وفرض قيود محددة في عمليات بيع الأسهم في إدراجها في السوق المحلية، إلا أن ذلك لم يلغ تواجد شركات في القطاع الخاص وتداول أسهمها في سوق الأسهم، وهناك مبادرة واضحة وقوية من القطاع الخاص بالتعاون مع شركات أجنبية كبرى للاستثمار في هذا القطاع». وتتمثل قوة المنتج السعودي من صناعة البتروكيماويات من خلال توريد الإيثلين والميثانول، وتتجه المملكة إلى التنويع في مجال البتروكيماويات المركبة وتوريد المنتجات المتميزة مثل الكيمائيات المتخصصة ومنتج الثيرموبلاستيك الهندسي (لدائن معالجة بالحرارة)، إضافة إلى أن السعودية تمتلك أكبر احتياطي نفطي على مستوى العالم، ما يخولها لتحتل مراتب متقدمة في هذه الصناعة، إضافة إلى موقعها الجغرافي في الربط بين الشرق والغرب، ويتوقع أن يسهم ارتفاع حجم الاستثمارات ومصافي التكرير في رفع تنافسية المملكة عالميا. وهنا يقول مشيقح المشيقح، عضو اللجنة الوطنية للصناعات البلاستكية والبتروكيماويات، إن «هذه الصناعة تعد صناعة المستقبل من حيث القيمة الاقتصادية إذ تدخل في كافة مجالات الحياة، ويتوقع وفقا للمعطيات وحجم الاستثمارات والدعوة للقطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال وخلال العشر السنوات القادمة يمكن لهذه الصناعة أن تحتل بها السعودية المرتبة 6 عالميا». ولفت المشيقح، أن سبب احتكار هذه الصناعة بنسبة كبيرة، يعود لعدة عوامل منها حجم الاستثمار وارتفاع التكلفة، إذ لا يستطيع رجل أعمال مهما كانت ثروته الدخول وحده في هذا المجال، وتحتاج الدول في قطاع صناعة البتروكيماويات تضافر روس أموال ضخمة لمجموعة مستثمرين مع المساهمة الحكومية، وهذا يعطي مؤشرا لأهمية، إذ يعد ثاني أكبر مساهم في الناتج المحلي. وأشار عضو اللجنة الوطنية للصناعات البلاستكية والبتروكيماويات، إلى أن هذه الصناعة مؤثرة في الاقتصاد المحلي، من جانب أنها تمتلك قيمة مضافة عالية، ومن ناحية أخرى يتيح فرص عمل كبيرة، كما يساعد في نقل التقنية، ومن جانب أخرى يخلق أرضية لصناعات تحويلية كبيرة وواسعة، وهذه الصناعات توفر فرصا ووظائف كبيرة وتحد من الاستيراد في الكثير من المنتجات. وهو منتج قابل للتصدير ومطلوب على مستوى العالم. من جهته يرى الدكتور لؤي الطيار، الخبير في الشأن الاقتصادي، أن رأس المال عرف بالجبان، وللدخول في أي مشروع هناك حسابات معقدة يتبعها المستثمر، لافتا أن هذه الحسابات لا بد أن تتلاشى لما تقدمه الجهات المعنية في السعودية من حوافز تشجيعية في هذا القطاع، وأن هذه البنية التحتية وفق مواصفات عالمية في الجبيل وينبع، كذلك أسعار جيدة للغاز ومادة الخام السائل، مع توريد آمن طويل الأجل لمادة الخام. ولفت الطيار، أن السعودية تعد الوحيدة التي تفتح المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار في هذا الجانب، مقارنة بنظرائها من دول الخليج، وهذا سيمنح فرصة إضافية للمستثمرين ورءوس الأموال المحلية والأجنبية للاستفادة من الموقع الجغرافي للمملكة في عمليات التصدير، مع إمكانية التطوير المستمر لهذه الصناعة في السنوات القادمة.