تُمضي القنوات التلفزيونية سنوات طوالاً لصنع نُجومها التلفزيونيين. تجازف أولاً بتقديم وجوههم غير المعروفة، وتضعهم في برامج بعضها بموازنات عملاقة، ثم تصرف في الدعاية لهم أموالاً ضخمة إضافية. وبعد أن يصل هؤلاء للشهرة، يتحولون أحياناً ثقلاً على القنوات التي صنعت مجدهم. عن «جيرمي كلاركسون» نتحدث. مُقدم برنامج السيارات البريطاني «توب غير». والذي هَزَّ خبر وقف برنامجه على خلفية اعتدائه الجسدي على أحد زملائه، عالم التلفزيون الغربي، حتى إن القصة الإعلامية زاحمت أخبار السياسة على الصفحات الأولى لجرائد بريطانية وأوروبية. فهذا النجم التلفزيوني المُشاغب، هو اليوم أكبر مشاكل «بي بي سي» وأعقدها، على رغم إن المؤسسة الإعلامية البريطانية هي التي صنعت بتقاليدها وإمكاناتها المُقدم وشهرته. تبدو «بي بي سي» الخاسر الأكبر في أزمة «توب غير» ومهما اختلفت سيناريوات النهاية. فالمؤسسة التي لم تستطع تحمل مُشاكسات نجمها، تقف اليوم امام خيارات صعبة جداً، كلها تقود لأضرار جسيمة لها. فهي اذا تخلت عن البرنامج التلفزيوني، فهذا يعني خسارة لواحد من أكثر البرامج التلفزيونية شعبية في العالم. فمن أين يمكن لبرنامج آخر أن يباع لأكثر من 200 دولة، جامعاً مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية البريطانية الصعبة. كما إنها إذا قامت باستبداله، تُخاطر أيضاً بفقدان جمهور واسع حول العالم، اعتاد على حس الفكاهة للمقدم الخمسيني المعروف بكوميديته البريطانية الخاصة، ووقاحاته التي كثيراً ما أحرجت المؤسسة الإعلامية البريطانية المحافظة في السنوات الخمس الأخيرة. في المقابل، سيكون استئناف البرنامج بـ «جيرمي كلاركسون» قضية شائكة لـ «بي بي سي»، وتضع على المحك سمعتها وشعاراتها ومسؤوليتها تجاه البريطانيين العاديين الذين يدفعون الجزء الأهم من موازنتها، بخاصة اذا سمحت لهذا المذيع المُشاغب أن يعود بسهولة، كملك غير متوج للتلفزيون البريطاني، من دون أن يعد بتغييرات جوهرية تتعلق بأدائه ومسؤوليته في المستقبل أمام القناة والجمهور، وهذا بدوره، وبالعودة إلى سيرة المذيع السابقة، يُعَّد أمراً من الصعب كثيراً الوثوق فيه. والحال إن أزمة جيرمي كلاركسون كشفت عن تغيير مفهوم المعارك الإعلامية في عصرنا الحالي، فالمقدم الذي يتبعه على موقع «تويتر» ما يزيد عن أربعة ملايين متابع، يُدير اليوم، بكوميديته المعروفة، أزمته مع «بي بي سي»، فهو يدرك شعبية برنامجه ودوره في النجاح المُدوي للبرنامج، لذلك تراه يُهدد ويسخر، فالخيارات أمامه مفتوحه وواسعة، وهناك قنوات تجارية بريطانية ستدفع الملايين لأجل الاستحواذ على نجوميته. كما إن العريضة الإلكترونية التي تطالب بعودته، وصل عدد موقعيها الى ما يقارب النصف مليون... لتضاف الى الضغط الكبير على «بي بي سي» التي تقف مُترددة أمام احتمال إغضاب جمهور بريطاني واسع اذا واصلت عقوبتها للمُذيع.