سأشارككم معي في إحدى مذكرات طالباتي اللاتي يكتبنها كل أسبوع كنوع من التفكر فيما نتدارسه في محاضراتنا وعلاقته بما يحيط بنا من ظواهر بحيث نخصص العشر دقائق الأولى لمن لديها الرغبة في سرد ملاحظاتها وكيفية تفسيرها بما نتعلمه في مادتنا وهي هنا مادة (التربية والتغير الاجتماعي). إحدي طالباتي كتبت (وسأتركه كما كتبته دون تعديل) لأن الغرض هو البوح والتأمل للظاهرة واختيار القالب اللغوي المريح للتعبير عن ذلك سواء كان شعراً أو مشهداً يوتيوبيا أو مقاطع روائية أو نصاً بالعامية وما سنقرأه في الغالب كذلك: كتبت ندي عن ظاهرة الغياب: (في الأسبوع الماضي فقط: ثلاثة من معارفي سافروا، منهم من سافر يوم الأحد أي بداية الأسبوع وفيه من سافر الاثنين أو الثلاثاء، والغريب أنهم جميعاً لديهم أبناء مرتبطون بمدارس ومع ذلك قرروا الذهاب وغياب 3 أو 4 أو حتى 5 أيام، وصراحة أرى أنها أصبحت ظاهرة منتشرة بكثرة في الآونة الأخيرة، مما دعاني للتفكير جدياً: ما الأسباب التي غيرت أفراد المجتمع وجعلت الغياب أمراً مستساغاً وطبيعياً لسبب مثل الاستمتاع برحلة سياحية قصيرة، وهذا يقودني للحديث عن التساهل في الغياب: فاذا كان الجو بارداً نغيب والجو مغبراً غياب جماعي، بداية الفصل غياب، نهاية الفصل الدراسي غياب، بل قبل وبعد كل إجازة غياب، المدرسة فقدت أهميتها وأصبحت بأنظمتها المتساهلة تشجع على الغياب، لا يخصم الغياب من الطلاب أحياناً بل قد تشجع المعلمة نفسها أو الإدارة على ذلك، فمعلمة طفلي في الروضة تسألها إحدى الأمهات الأحد الماضي في الواتس آب هل يداوم فلان!!! ترد المعلمة حرام برد وغبار مساكين بيتهم أبرك لهم؟ بل المقلق في الأمر أني عندما أرسلت أبنائي للمدرسة أصبحت أماً قاسية ولا أحب أولادي مثل حب الأم التي يغيب أبناؤها مع كل موجة برد أو غبار أو.. أو.. حتى إن إحدى صديقاتي تقول لي ساخرة: (هاه يا أفلاطون أكيد وديتي عيالك للمدرسة)! غير الشفاعات والواسطات التي تصل لي من جدتهم (أمي الله يحفظها) بأن أغيبهم مع كل إجازة بحكم وش زودهم يداومون؟! انقلبت الموازيين للأسف). (انتهي كلام الطالبة). دفعني لاختيار هذا الموضوع على وجه التحديد أنني اليوم (الاثنين 25-5 الموافق 16 مارس 2015) اتصل بي ابني الذي يدرس في الأول متوسط (يتوسط) لدي حتى أخرجه من المدرسة بعد أن أنهى امتحان الرياضيات وذلك الساعة العاشرة صباحاً! طبعاً ومع رفضي صار يؤكد أن لا دراسة أصلاً فقد انهوا ما عليهم من دروس في مختلف المواد ولهذا هم يؤدون الامتحانات ولا توجد دروس وبعد رفضي مبدأ في المفاوضة على يوم الخميس (على الأقل) حيث أكد أنه وكما العادة لن يحضر إلا هو واثنين من الطلاب وسيضطر كما العادة إلى محادثتنا لإعادته للبيت لأنهم أصلاً لا يدرسون شيئاً!!. الآن نحن على أعتاب هذه الإجازة القصيرة بين الفصلين التي قصد منها تجديد نشاط الطالب والهيئة التعليمية معاً بكسر روتين العمل المدرسي الجاد. الإجازة رسمياً ستبدأ الأحد القادم ولكن وكما لاحظت طالبتي ولاحظنا جميعاً بأن الطلاب بدأوا إجازاتهم أبكر مما قررته الوزارة وربما لن يعودوا إلى فصولهم في الوقت الذي حددته الوزارة أيضاً. من الواضح أن المشكلة مشتركة بين طرفي المعادلة الأكثر أهمية في حياة الطالب وهم المدرسة والأهل. الأسرة السعودية الجديدة لا تعطي المواظبة على الدوام تلك الأهمية التي رأينا عليها أهالينا حين كنا ندرس فالغياب كان فكرة غير واردة إلا في حالات قصوى وتحصل بعد شفاعة الأب عند المديرة أو لعارض صحي حقيقي وليس لحرارة عابرة مثلاً. أهالي اليوم يتساهلون بل إن الأسرة الحريصة تبدأ في تلقي عبارات اللوم والتعييب على حرصها لتنقلب الموازين كما ذكرت طالبتي وتصبح القيمة الاجتماعية الفضلى أو المروج لها هي فكرة التساهل لا الحرص علي المدرسة؟ ما الذي يعزز هذه الاتجاهات السلبية عند الأهالي والطلاب معاً؟ بلا أدني شك: المدرسة. فالطالب يتم تشجيعه بشكل غير مباشر على الغياب حين لا يحرص المعلم على استمرار التدريس في الأيام الأخيرة من الأسبوع الذي يسبق الإجازة وربما المدرس في داخله (وقد تشاركه إدارة مدرسته علناً أو بشكل مضمر) في تشجيع غياب الطلاب حتى يجد الوقت الكافي، أما للتسلي أو الخروج (من قبل المعلمين الرجال) لقضاء الحوائج أو فقط إزجاء الوقت (والراحة) من شقاوة الأولاد و(صجة) البنات) ومن هذا فإن الضائع المسكين في الوسط «هو النظام التعليمي السعودي الذي يبشر بأسوأ النتائج التعليمية. في دراسة أخيرة كشف النقاب عنها تم عمل اختبارات عشوائية (أي اختيار مدارس عشوائية) في كافة مدن المملكة ولكافة المراحل وتم اختبارهم في مواد: الرياضيات والعلوم واللغة العربية. ما هي النتائج؟ كان متوسط درجات الطلاب السعوديين في الرياضيات 30 من مائة وفي العلوم 32 من مائة وفقط في العربي 35 من مائة.. كل نتائج المواد ليس فقط دون المتوسط بل رسوب جماعي مخيف حين يتعلق الأمر بالمهارات الأساسية التي تدرسها مدارسنا السعودية لطلابها فما العمل؟ تساهل المدارس وعدم معاقبة الطالب على التأخير أو الغياب (ليس فقط بحسم الدرجات) بل بممارسات إدارية أكثر شدة لضبط عالم التسيب هذا الذي اندلق في ممرات مدارسنا وطفحت به فصولنا الدراسية وأفحمت رائحته أنوف الآباء والمسؤولين أمر مخالف لأبسط القواعد التربوية التي تعرفها مدارس العالم. من الضروري جداً ضبط هذا التسيب في احترام الدوام المدرسي الذي سينعكس على قيم وممارسات الطالب حين ينتقل إلى الوظيفة ثم أيضاً إلى أسرته فمن لم يجد نموذجاً جاداً أمامه من مدرسيه أو أهله فكيف له أن يختلف عنهم؟ لا نجاح إلى إجراءات استثنائية ولنا أسوة بمدارس العالم التي يضطر طلابها للانتظام لأنهم يعرفون أنهم سيطردون من المدرسة أو لن تحسب لهم الدرجة في المقرر إذا تكرر غيابهم أكثر من 3 مرات وهكذا. كما على المعلمين أن يتحلوا بروح المعلم الحق الذي يدرك واجبه الوطني في تدريس طلاب جادين ولن يتحقق ذلك والمعلم والإدارة والأسرة لا تدري ماذا تعلم هذا الطالب أو لنقل أنها لا تهتم، فالفكرة هي فقط في ارتياد المدارس بشكل شبه يومي، ثم الحصول علي شهادة التحويل من فصل إلى آخر أو مرحلة إلى أخرى؟ ويا......... اكمل باقي السطر أيها القارئ العزيز.