(1) «لجبران أن يتغنى بضيعته النائمة في أحضان الأرز ولي أن أتسكع في أزقة الحارة الضيقة تماما كعامل البلدية بأسماله الصفراء أو كالسكران العجوز الذي يتهكم به الأطفال». ص80 بهكذا نموذج يفتتح محمد سيدي ــ الشاعر الشاب ــ منجزه الشعري المنثور، الذي يحمل عنوان (لعبة الأحرف) الصادر عن نادي المنطقة الشرقية في العام 1434هـ، وفيه تتضح هذه اللغة الشعرية المنحازة نحو اليومي والمعاش والمسكوت عنه. ويتنامى بيانه الشعري وفق تقاطعات الحال.. والماضي.. والمستقبل، بحيث تكون القصيدة عنده فضاء من التواري من موبقات الحياة: «من مطالب الأولاد/ يتوارى وراء قصيدته من مناكفات الزوجة/ يتوارى وراء قصيدته من مشاكسات الجيران/ يتوارى وراء قصيدته .....» ص46 *** (2) تتشكل نصوص الديوان مما يسميه النقاد (ق. ق) و(ق. ق. ج) القصيدة القصيرة والقصيدة القصيرة جدا، وفي كليهما يكون النص الشعري المنثور هو المتسيد بكل إيقاعاته الداخلية، وإمكاناته الشعرية، من لغة مكثفة ورموز دلالية وصور تركيبية غير معهودة ولا تقليدية، والصدمة أو المباغتة الشعرية، وكسر المألوف، والمنحى الفلسفي، والتعالق مع الواقع اليومي والإنساني في فضاءاته الرحبة. «في لحظة هادئة/ وعلى كثيب من الرمال الذهبية/ وتحت نخلة باسقة/ تحولت إلى كومة من الحبوب/ وأصبحت مأدبة فاخرة/ لعصافير الصباح». ص78 *** (3) وككل القصائد النثرية، يحتفي شاعرنا بالتناصات المفتوحة التي هي من سمات القصيدة المعاصرة، لكنه يأتي بها في شكل جديد وغير مقلد. فها هو يستحضر عينات من الشعراء والمفكرين والمغنين والفلاسفة في تناص عجيب وجديد: «لجبران أن يغرق في رومانطيقيته». ص9 «متحولا كأدونيس وحزينا كأمل دنقل». ص16 «لا تدهشني أنباء الحرب / بقدر ما يدهشني صوت فيروز الملائكي/ وهي تبكي على حبيبها الغائب». ص28 «ما كل ما تمنيته أدركته/ كثيرة هي أحلامي التي تساقطت كالشهب». ص29 وفي كل تلك التناصات تبدو الأنا الذاتية من خلال ضمير المتكلم، مما يشي بدلالات التفرد والاعتزاز بالشخصية. *** (4) وأخيرا، يقف الناقد محتارا أمام عتبة الديوان الرئيسة/ العنوان (لعبة الأحرف) التي اختارها الشاعر، وهي عنوان أحد النصوص الفاترة شعريا، فليس فيها ذلك الإبداع الذي يجعلها قادرة على النهوض بدور العنوان الرئيس كعتبة نصية تتشظى دلالاتها في كل نصوص المجموعة الشعرية، وفي ظني أن نصا مثل (الخزينة) بفضاءاته الرؤيوية العشرة، أقدر على القيام بذلك الدور العنواني المثير. أو نص (صوت الماء) بفضاءاته الرباعية، يمكن أن يكون عنوانا للمجموعة لحمولاته الشعرية والدلالية. ورغم ذلك، فإن الشاعر الشاب (محمد سيدي) يمارس في هذا الديوان فن الحذف والتقشف ضمن قصيدة الومضة، ليقول ما يراه شعرا بأقل ما يمكن من حروف يمارس معها لعبة الخفاء والتجلي!!.