«إلى صديقي المؤمن الذي كان يصلي ويصوم ويتابع حلقات عمرو خالد، ثم هاجر إلى بلاد بعيدة وعاد ليكتب لي أنه لم يعد يؤمن بالأديان السماوية!» صاحبي.. ما الذي غيرك؟ ما الذي خدر الحلم في صحو عينيك.. من لف حول حدائق روحك هذا الشرك؟* . . يا صديقي.. كنت قد وعدتك أن لا أتدخل في اختياراتك، أن لا أناقشك فيما تراه شأناً يخصك وحدك. طلبت مني أن أتعامل معك كما يفعل هؤلاء الغربيون المحترمون الذين لا يسألون أحداً عن دينه، ولا يعاقبون أحداً بسبب اعتقاده. وها أنا أخلف وعدي لأنني أحبك! لن أناقشك بمنطق عقلاني، ولن أسوق لك الحجج والبراهين في انتظار أن تأتيني بحجج مضادة، لكنني سأطرح عليك بعض التساؤلات الصادقة والصادرة من أعماق قلبي. ألم تحدثني طويلاً من قبل عن قسوة الحياة؟ عن قبحها وظلمها وجورها على الضعفاء والمساكين؟ عن قسوتها التي لا ترحم؟ عن الوحشة الهائلة التي تملأ فراغ هذا الكون الفسيح؟ أخبرني فقط -وأنا أتساءل هنا بكل صدق الدنيا وفضولها- كيف يمكن لحياة كهذه أن تغدو محتملة بلا إيمان؟ بلا يقين بأن هناك قوى عليا رحيمة بنا نلجأ إليها بالدعاء؟ بلا اعتقاد راسخ بأن هذه الحياة القاسية ليست سوى فصل من الرواية لا الرواية كلها؟ كيف يمكن أن يحتمل القلب كل هذا الفراغ والوحدة والبرودة والصلف في الكون الشاسع لو لم يؤمن بأن هناك من يرافق القلب ويرعاه ويهدهد وحدته؟ أخبرني كيف استطعت أن تمحو من وجدانك بلا ألم كلمات مثل خشوع، وتضرع وإخبات ومناجاة وتوبة؟ أي قوة اكتسبت لتصنع تلك الحجب الكثيفة بينك وبين السماء فحرمت نفسك من نظرة حالمة نحوها في ساعة رجاء؟ يا صديقي أنا لا أحدثك هنا عن المذهب الصحيح أو المذهب الخاطئ، لا أحدثك عن العبادة أو الصلاة، لا أحدثك عن الجنة أو النار. أنا فقط أتساءل.. هل يستطيع قلبك المرهف أن يصمد وسط هذه العواصف دون أن يشعر بالخذلان؟ بأن لا أحد يأبه به سواء ظَلَمَ أو ظُلِم، أعطى أو أخذ، جني أو تجنى. سواء كان نسمة رقيقة أو دخاناً أسود؟ لا تجبني الآن.. ولا تناقشني.. فقط اخل بقلبك واسأله ما الذي يفتقد.. ولماذا يشتاق؟ وأرجو أن تكون قوياً بما فيه الكفاية لتمنحه ما يريد! * الأبيات من قصيدة وضاح للشاعر محمد الثبيتي.