باعتذارها عن قبول العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي بعد ساعاتٍ من انتخابها لشغل هذا المقعد، تكون المملكة أرسلت رسالة احتجاج ذات طابع عالمي تعترض فيها بوضوح على آلية اتخاذ القرارات داخل هذا المجلس، الذي فقد كثيراً من وزنه، ولم يعد قادراً على أداء مهمته المتمثلة في الحفاظ على الأمن والسلم العالميين. وتلتزم المملكة بالكامل بمبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، باعتباره ضمانةً حقيقية للأمن والسلم في العالم، لكنها في الوقت نفسه تؤكد بقرارها الصادر أمس بالاعتذار قبول عضوية مجلس الأمن، أن الأخير لم يتعامل مع أزمة سوريا والقضية الفلسطينية ونووي الشرق الأوسط بما يمليه عليه واجبه. ولقد حذَّرت الرياض من هذا التراجع في دور المجلس، وكانت كلمة ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز في مؤتمر القمة الإسلامية الـ 12 في القاهرة، مطلع فبراير الماضي، رسالةً تحذيرٍ واضحة مفادها أن علينا أن ندير ظهورنا لمجلس الأمن وأن نعمل على بناء قدراتنا لحل مشكلاتنا بأنفسنا، إذا فشلنا في جعل مجلس الأمن يهبّ لنصرة الأمن والسلم الدوليين في كلٍ من سوريا وفلسطين. وفي ضوء هذا التحذير المسبق، تبدو أسباب الاعتذار التي أعلنت عنها وزارة الخارجية أمس الجمعة «مشروعة ومنطقية»، فالإخفاق في التعاطي مع الأزمة السورية والسماح للنظام الحاكم في دمشق بقتل شعبه وإحراقه بالكيماوي هو دليلٌ دامغ على عجز مجلس الأمن عن تحمّل مسؤولياته، ولا يتعلق الأمر بسوريا وحدها، فبقاء القضية الفلسطينية دون حل دائم وعادل لـ 65 عاماً دليلٌ آخر، وكذا الفشل في جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل. وينبِّه الموقف السعودي، الذي أيَّدته أصوات عربية وغربية فور الإعلان عنه، إلى ضرورة وضع خطة لإصلاح آليات اتخاذ القرارات داخل مجلس الأمن، وإنهاء التحكم المطلَق من قِبَل الدول الخمس دائمة العضوية، حتى لا تفقد الأمم المتحدة كل مصداقيتها. ومن المهم أن نذكر هنا أن المملكة قدَّمت خارطة طريق لإصلاح المجلس طرحتها في مؤتمر دولي بروما في فبراير الماضي، ويتسق موقفها الأمس الرافض لهذه المنظومة العاجزة مع هذه القناعة التي عبَّرت عنها غير مرّة سابقاً.