نشرت جريدة «الحياة» في عددها الصادر بتاريخ 18/1/2014 في صفحة تراث مادة بعنوان «ماذا عن الحياة الدينية لبلاد الأنباط؟» لصحافي يدعى حمود حمود. في هذه المادة تحدث حمود عن معجمي الذي صدر عن دار الساقي 2013 وحمل اسم «معجم آلهة العرب قبل الإسلام»، واصفاً العمل بأنه «إسفاف لا نقدي» ولم يوفر في «موضوعية» لفظاً تجريحياً إلا و «نعت» به الكتاب. ما أثارني حقاً هو ضيق أفق هذا الرجل، وكيف أنه لا يميز حقيقة بين كتاب نقدي وعمل بحثي موسوعي معلوماتي، وهذا نموذج للإعلاميين العرب الذين لا يرون في النقد إلا مجرد تجريح وتسفيه أعمال الآخرين لا سيما «العربية» منها، أو امتداح عمل ما لدرجة التعظيم ويفضل أن يكون الكتاب لكاتب غربي. سأقتبس كلام حمود عن عملي «معجم آلهة العرب» ثم أوضح له بعض النقاط الهامة عله يتجنب التسرع ويفهم جيداً ماذا يعني نقد تراثنا وتاريخنا العربي الديني في ظل ندرة الكتاب النقديين الجادين في عالمنا العربي الذين يمكن للباحث أو الكاتب أن يفيد حقاً من نقدهم فيطور أعماله لاحقاً. يقول حمود إن «معجمي» يلغي التاريخ من خلال «أسطرته»، حيث بدا هذا الكتاب له علاقة بكل شيء إلا التاريخ! فهذا الكتاب لم يتعب نفسه أبداً في أنْ يتثبت من أيّ معلومة (ثمّ ولماذا يتثبت؟ لماذا يفكر طالما أن هناك غربيين يفكرون عنه!؟). هذا فضلاً عن أن الكتاب لم يكن أكثر من مجرد «نسخ لصق» لكل شاردة وواردة أوردتها أساطير العرب قبل الإسلام. وفوق ذلك، ربما كان الأجدر بكدر أنْ يقرأ أولاً ثم ينسخ ويلصق؛ لكن أنْ تلصق كل الداتا المتعلقة بالآلهة العربية قبل الإسلام بدون التثبت من القراءة، فهذه مشكلة أخرى أثبت السيد الباحث أنه لا يستطيع تجاوزها، لينجز لنا «معجماً» (هل نقول «معجماً»!؟) في آلهة العرب. ليس الهدف أن نجرّح بكتاب كدر، «كتاب النسخ واللصق». فكتابه ليس إلا مثال صغير على الفقر الشديد لأي حس نقدي تاريخي من بين المئات، بل الألوف، في البلاد العربية. ولم نذكر هذا الكتاب، وبهذه الصيغة، إلا من أجل الإشارة سريعاً لهذا الفقر وتصحيح المسار النقدي في التعامل مع التاريخ. من هنا الضرورة الملحة للاطلاع النقدي على الدراسات الغربية التي تدرس التاريخ العربي (كما هي حال كتاب بيتر ألباس)، وذلك بغية الإفادة منها، لكن نقدياً، من جهة، ولا من أجل مقارعة هذه الدراسات، بل من أجل تاريخ العرب أنفسهم...» (انتهى الاقتباس). واضح من مادة حمود هذه أنها تنتمي إلى تلك القراءات التسفيهية ولا تمت للنقد بصلة، هي فقط لمجرد الاستعراضات والتشدق بثقافة الآخر الغربي القدوة لأمثاله، أقول ذلك لأني قبل ردي هذا تساءلت كثيراً: هل قرأ حمود هذا المعجم أم تصفحه كما يفعل بعض الصحافيين السطحيين؟، ثم من قال لحمود هذا أن «معجمي» هو كتاب نقدي أساساً، فلو كان قرأ الكتاب لكان لفته ما قلته في فصل «منهج البحث» من الكتاب حيث أكدت فيه أني: «في هذا العمل أقدّم للباحثين معلومات بكراً، تشكل مادة دسمة ومكثفة، تلزَمهم لبدء عمل عربي جادّ في دراسة المجتمع العربي قبل الإسلام بعيداً عن التأثيرات السلبية لبعض المستشرقين». نعم هذا المعجم يقوم على جمع كل شاردة وواردة حول آلهة العرب وهذا ليس عيباً كما يحاول فعله هذا الصحافي، وإنما جهد لا يدرك أهميته إلا باحث جدي خاض في هذا الحقل المعرفي الشائك بحثاً عن المعلومات المتناثرة والمشتتة في بطون أمهات الكتب العربية. قلت في الكتاب إن المعجم: «رحلة فكرية شيّقة سنكتشفها ونحن نعيد ترتيب أصنام العرب ومعبوداتهم، وسنتمكن من الإحاطة بمعتقداتهم وتكوين رؤية أكثر عمقاً لحياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية والدينية والثقافية وحتى الاقتصادية والسياسية». وقلت: «إن عملي يأتي تتويجاً لأعمال السابقين من أهل الأخبار والسير...». وهذا المنهج معروف في ثقافتنا العربية نجده عند ابن منظور في لسان العرب، والزبيدي في تاج العروس، وجلال الدين السيوطي في أعماله والراغب الأصفهاني وغيرهم الكثير من الرواة والمؤرخين. أما أن يزج بعملي هذا ضمن الدراسات النقدية ليكتب بسفاهة السطحيين، فهذا ما لا شأن له به، لأن صاحب العمل هو من يحدد منهجه في البحث. واضح أن حمود وضمن «مادته» السفيهة لم يفعل ذلك إلا لمجرد «التجريح» كعادة بعض «المستغربين» ممن يمجدون الفكر الغربي منهجاً وأساساً في تفكيرهم، كان حرياً بحمود أن يعرف «الغرض من وضع» هذا المعجم قبل أن ينشر «سفاهاته» فشتان بين «عمل نقدي» و «عمل معجمي» هدفه توفير أكبر قدر من المعلومات للباحثين، ويقدم للقارئ فرصة للإحاطة بهذا العالم الغني بأفكاره وتصوراته الفكرية والدينية والثقافية. ولم أدع أن عملي يندرج بأي حال من الأحوال ضمن مجال تصحيح «المسار النقدي في التعامل مع التاريخ». فكرة المعجم راودتني من معاناتي الشخصية في البحث عن معبودات العرب وآلهتهم خلال شغلي في هذا الحقل الشائك، فقد كان هناك صعوبات كثيرة أبرزها أن المعلومات حولها مبعثرة في آلاف الصفحات كما أن الباحثين في هذا المجال اكتفوا بإيراد بعض الآلهة ضمن دراساتهم وأبحاثهم، لذلك قررت جمعها لتكون في متناولي، قبل أن أقرر إفادة زملائي الباحثين لتكون عوناً لهم، إضافة إلى هدفي في أن ألفت نظر القارئ العادي إلى غنى الحياة الدينية العربية قبل الإسلام، فهي لا تقتصر على بضع عشرات من الآلهة والمعبودات التي كررها الكتاب والباحثين، وإنما هناك المئات. وعليه فإن ما صور لنا على أنه جاهلية قبل الإسلام إنما هو في الحقيقة عالم غني بالأفكار والتصورات للكون والطبيعية، يستحق منا أن نسلط الضوء عليه، ليس نقداً وتسفيهاً على طريقة كاتب المادة المذكور أعلاه، وإنما بما يمكننا من اكتشاف هذا العالم المجهول. أكثر من 340 معبود في جزيرة العرب استطعت حصرها في معجم آلهة العرب قبل الإسلام، لإبراز الغنى الروحي والديني استخلصتها من كتب التراث العربي ذاته، ولا زلت أتابع العمل في التنقيب عن تلك المعبودات في مئات تقارير التنقيب الأثري في جزيرة العرب تمكنت من الحصول عليها وهي معلومات ثرية وغنية ستفيد الباحث الجدي والقارئ. معجم آلهة العرب ليس كتاباً نقدياً للحياة الدينية عند العرب قبل الإسلام، وإنما هو معجم تشاركت فيه مع الباحثين المهتمين بحياة العرب الدينية، وهذا المعجم هو الأول من نوعه في المكتبة العربية.