ودعتك الله يا نظير عيوني ودعتك الله. الحمد لله على قضائه. في مثل هذا اليوم من الأسبوع الماضي انتقل الى رحمة الله آخر رواد الفن والتراث والموروث الشعبي والفنون البحرية بالدمام بالمنطقة الشرقية، الأستاذ قحطان إبراهيم قحطان الدوسري. الذي يعتبر على مستوى الخليج من الرواد الذين يمتلكون الاصالة والابداع في الفن والموروث الخليجي. وهو من المراجع الهامة التي احتفظت بهذا الموروث على أصوله الحقيقية ومن أسرة عريقة توارثت هذه الفنون أباً عن جد، ووالده يرحمه الله إبراهيم قحطان كان رئيس مؤسس دار قحطان للفنون الشعبية بالدمام التي كانت تعتبر من أهم وأشهر الدور والفرق مع دار ادريس ودار الشاوش بالدمام ودار المهنا بدارين ودار عيال سالمين بالخبر يرحمهم الله. هذه الفرق التي كان لها اهتمام بالفنون الشعبية ومشاركات فعالة في المناسبات والافراح. ظل قحطان على مدار أكثر من خمسين سنة محافظاً ومعلماً ومدرباً لكثير من الأجيال التي تعلمت وتدربت على مختلف هذه الفنون وعادتها وتقاليدها وطرق أدائها وكان مرجعاً يفرض احترامه وتقديره على الجميع ببساطته وتواضعه. كان محباً للجميع كسب احترام الناس بالمملكة وخارجها وعرف في الأوساط الشعبية بالأداء المتميز وخصوصاً في فن العاشوري وفن النهمة والموال والاغاني البحرينية. لن يغيب عن الذاكرة رغم ابتعاده لظروفه الصحية. وكان آخر لقاء لنا به في الحفل الذي أقامه الأستاذ جمال العلي بمناسبة تخرج ابنه عبدالمجيد من أمريكا بدرجة الماجستير. لقد كانت من أجمل الامسيات التي تألق بها المرحوم. كانت صالة كبيرة والحضور من مختلف شرائح المجتمع والذين يتابعون هذا الفن والموروث الشعبي الذي يقدمه هذا المبدع رغم كبر سنه. عندما قال: يا ليل دانه يا ليل دانه.... يا ليل دانه سالم آه يا سلمان جيته ينوحي.... فوق السطوحي عقلي ورحي..... مكحول لعيان جيته بالليوان.... والحواش مليان كله صبيان..... آه يا سلمان قدم هذا الفن العاشوري أحد الفنون التي يشتهر بها أهالي الخليج على أصالتها وجمال كلماتها وإيقاعاتها ثم قدم: يا ناعم العود.. يا سيد الملاح يا ناعس الطرف.. ارحم حالتي ليت للغرام حاكم.. والله لاشتكي وبعدها أمتع الجميع بسامرية: ما يطيق الصبرا.. يا مل قلبٍ.. ما يطيق الصبرا نحت أنا له وبرا.. نوح الحماما.. نحت أنا له وبرا يا نظير عيوني.. ودعتك الله.. يا نظير عيوني بلغوا مضنوني.. يا اهل الركايب.. بلغوا مضنوني نعم كانت مؤشرات واضحة وكأنه يقول لنا وداعاً أحبابي يا نظير عيوني ودعتكم الله. كانت اللحظات جميلة معبرة عن الاصالة والقيم النبيلة لهذا الرجل الذي كسب الجميع حباً وتواضعاً عندما التقينا وسلمت عليه أنا وأخي يوسف، قال لي: يا بو محمد استمروا بالمحافظة على التراث والموروث الشعبي، هذه أمانة في أعناقكم، وكان حزينا على إيقاف البرنامج الشعبي سوالف النوخذة. رحمه الله قال لي: نحن نتابع حلقات البرنامج ونحرص على تسجيلها والاستماع لها، ونكتسب منها الكثير من المعلومات ونتعرف على الشخصيات. وكان يخاف من المواجهات الإعلامية ولقد حاولت استضافته في كثير من البرامج الشعبية وكان يتهرب بالدبلوماسية والبساطة ويقدم الزملاء على نفسه. عندما أتحدث عن هذا الرجل البسيط وأروي لكم قصة واقعية حدثت معه. لقد كفل أبو إبراهيم - يرحمه الله - احد الاصدقاء في قرض والشخص لم يلتزم بالسداد لمدة عام كامل ولم يستلم راتبه، ولم يطالب من الرجل السداد خوفاً من الاحراج وهو رب عائلة وعندما سألته كيف تعيش قال: الحمد الله مستورة حتى تدخل بعض الأصدقاء وقاموا بحل المشكلة. رحل هذا الرجل الطيب والسيد بأخلاقه وحسن معاملته. والله يا إخوان عندما دخلنا قاعة العزاء وهي مكتظة بالمعزين عرفت وايقنت معزة ومحبة الناس لهذا الرجل. رحم الله قحطان الفجري وأنواعه. رحم الله قحطان المتهمة والموال. رحم الله قحطان العاشوري واليامال رحم الله قحطان الصوت والتراث والغوص. رحم الله أبا إبراهيم رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وألهم أبناءه وبناته وعائلته وجميع أحبابه وأصدقائه الصبر والسلوان انه سميع مجيب. خبير الشئون الإعلامية والعلاقات العامة