رغم محاولات المتطرفين الفاشلة لإثارة الفزع في البلاد، فإن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يتحدث بثقة كبيرة عن عمليات البناء الضخمة التي يقودها في بلاده الفقيرة منذ انتخابه صيف العام الماضي. لم يكتفِ الرجل القادم من المؤسسة العسكرية التي تعد من المؤسسات المنضبطة في منطقة الشرق الأوسط، بوضع خطط على الورق فقط، بل بدأ في التنفيذ الفعلي لمشروعات تقدر قيمتها بمليارات الدولارات. ويستقبل السيسي في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر، وهو مطمئن، مئات من الشخصيات الكبرى في العالم من قادة وزعماء ومستثمرين، جاءوا للمشاركة في أول مؤتمر اقتصادي في عهده.. ولسان حاله يقول: «كل شيء جاهز. تعالوا واستثمروا». وقوع تفجيرات بالقنابل بين حين وآخر على أيدي متطرفين غامضين يثير غضب المصريين الطامحين إلى عودة الاستقرار والتنمية. ويؤكد نائب رئيس جهاز الأمن الوطني (المخابرات الداخلية) السابق، اللواء عبد الحميد خيرت لـ«الشرق الأوسط» أن الدولة تنتصر، وأن معظم العمليات الإرهابية التي تقع في بعض المدن المصرية بين وقت وآخر يعكس أغلبها ضعف مستوى منفذيها، وأن مستقبلها إلى زوال.. «الإرهاب بمصر نفسه قصير، لأنه ليست له حاضنة شعبية». يوجد في مدخل ميدان التحرير بالقاهرة الذي كان مقرا لآلاف المتظاهرين لعدة سنوات، بوابة تغلق وتفتح وفقا للحالة الأمنية والسياسية في العاصمة المكتظة بالسكان. «الأمور أصبحت مستقرة أكثر من السابق بكثير». هكذا يقول ضابط في الشرطة من قوات تأمين الميدان، يدعى علي حسنين، ويضيف أن البوابة لم تغلق إلا مرة واحدة منذ انتخاب السيسي لرئاسة البلاد العام الماضي، وذلك حين قامت جماعة «الإخوان» بالدعوة لاقتحام الميدان في ذكرى ثورة يناير (كانون الثاني) مطلع هذا العام. تقع حول ميدان التحرير عدة مبان حكومية وسفارات لدول غربية ما زالت محاطة بمصدات خرسانية. واعتاد المتظاهرون في السابق التجمع في الميدان الذي كانت الوقفات الاحتجاجية فيه تتحول سريعا لأعمال عنف مع قوات الأمن وتطال المباني المجاورة، مما أدى إلى حرق وثائق تاريخية في متحف المجمع العلمي القريب. وتقع البوابة على مدخل الميدان للقادمين من شارع قصر العيني الشهير. وهي ملونة بألوان علم مصر الثلاثة؛ الأحمر والأبيض والأسود. الحالة العامة بين المصريين تبدو وكأن كل شيء يندفع إلى الأمام.. فعلى بعد أمتار من ميدان التحرير تجري عملية ترميم للمباني التاريخية في ميدان طلعت حرب. ويقول محمود سعيد الذي يدير محلا لبيع التذكارات السياحية إن «مؤتمر شرم الشيخ أبلغ رد على المتطرفين. نهزم الإرهاب بأيدينا». وفي المكاتب الأخرى انتهت عدة محافظات وهيئات وشركات مصرية من العروض الاستثمارية لطرحها على المؤتمر الاقتصادي وسط تفاؤل من جانب قطاعات التشغيل بزيادة معدلات التنمية واستمرار أعمال البناء وإقامة المشروعات الجديدة. يقول السيسي إن من يشتري آلات للعمل بها في مشروع معين عليه ألا يتردد لأن هذه الآلات ستستمر في العمل في مشاريع أخرى وليس في مشروع واحد فقط.. مصر أمامها كثير من الأشغال التي تحتاج إلى كل معدة من المعدات الجديدة. واشترت شركات تعمل في قناة السويس وأخرى تعمل في رصف الطرق في أرجاء البلاد آلات بملايين الدولارات في الأشهر الأخيرة. الأمر لا يقتصر على المقاولين الكبار.. هناك، في محطة حافلات على طريق صحراوي بمدخل مدينة السويس الواقعة على الجانب الآخر من منتجع شرم الشيخ، تهدر الآلات لرصف شوارع تصل إلى حدود الميناء البحري الجديد ومهبط الطائرات المدنية على البحر الأحمر. في الجانب الآخر يقوم المزارعون بمد خراطيم بعد استحداث نظام جديد للري بالتنقيط. وفي النفق المار من تحت قناة السويس، والذي يربط بين جانبي اليابسة، توجد كاميرات مراقبة ورجال أمن يفتشون المركبات للحيلولة دون وقوع أي أعمال تخريبية يمكن أن يقوم بها المتطرفون في سيناء لإفساد الزخم حول المؤتمر الاقتصادي. وفي الجانب الغربي من البلاد بدا أن العمل يسير على جناحين أيضا؛ الأول فتح طرق وتأسيس بنية تحتية لتهيئة الصحراء الغربية لمشروعات ضخمة، والثاني تشديدات أمنية لمنع تسلل المتطرفين من ليبيا. وقبل عودتهم للالتحاق بفعاليات مؤتمر شرم الشيخ، جاء إلى كل من واحة سيوة ومدينتي الضبعة والعلمين في غرب القاهرة مستثمرون عرب وأجانب للاطلاع على فرص العمل الجديدة، وحظوا باستقبال شعبي غير مسبوق. وطافوا في عدة محافظات أخرى للاطمئنان على الحالة الأمنية. واستقبل محافظ مطروح اللواء علاء أبو زيد السفير البريطاني. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أخبرني أن بريطانيا لديها 10 آلاف سائح يريدون زيارة سيوة وهي على وضعها الحالي، فما بالك لو طورنا المدينة من خلال المستثمرين». ويقول مسؤول أمني آخر في محافظة البحر الأحمر إن تضرر السياحة وتضرر الحالة الاقتصادية بشكل عام في مصر لم يكن بسبب التفجيرات الإرهابية التي بدأت تنتشر عقب الإطاحة بحكم جماعة الإخوان في صيف 2013، ولكن الأضرار بدأت منذ الاضطرابات السياسية التي أدت لتخلي الرئيس الأسبق حسني مبارك عن سلطاته في 2011. وفي الأشهر الماضية دعمت السعودية والإمارات والكويت.. وغيرها، الاقتصاد المصري عبر منح بمليارات الدولارات، لكن القاهرة تقول إنها تريد أن تحول المنح إلى شراكة وعمل لتحقيق نهضة شاملة ومستمرة. ويرى كبار الخبراء الأمنيين مثل اللواء خيرت أن زيادة معدلات التنمية وخفض عدد العاطلين عن العمل سيعزز من قدرة الدولة على بسط الأمن والاستقرار. وتحظى خطط السيسي لإنعاش الاقتصاد باهتمام الغالبية العظمى من المواطنين في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه نحو 88 مليون نسمة ويبلغ عدد العاطلين فيه أكثر من 3.5 مليون شخص. وحين تقلب بين محطات الدردشة المصرية على التلفزيون تتملكك الرغبة في اقتناص فرصة استثمارية في هذا البلد قبل أن يفوتك القطار. تبدو بين يدي السيسي خريطة لمشروعات كبرى يقدمها للمؤتمر الاقتصادي؛ مثل شق مجرى جديد لقناة السويس الذي بدأ العمل فيه بالفعل قبل أشهر ومعه مشروعات تكميلية أخرى تحتاج لمستثمرين، إضافة لإنشاء شبكة طرق ضخمة، واستصلاح أراض للزراعة، وإنشاء مخازن عملاقة لتشوين الغلال، وإقامة المدينة المليونية في العلمين. يقول السيسي خلال لقاء مع عدد من القيادات المحلية أخيرا إن نتائج هذه المشروعات ستظهر بعد عامين. ويمكن لتغيير عدة تشريعات وعادات تتعلق بعلاقة الفلاحين بالدولة وبما يزرعونه أن ينعش قطاع الزراعة والري؛ حيث تقول الحكومة إن لديها مشروعات للاستثمار في هذا المجال بما قيمته 21 مليار دولار. والأمر نفسه يسري على طريقة دعم السلع، ومنظومة تشغيل محطات الطاقة، وإشراك القطاع الخاص في إقامة البنية التحتية مثل شبكة الطرق التي تتطلب استثمارات بمليارات الدولارات. يقول الرئيس السيسي إنه يريد أن تكون المنتجات الزراعية وغير الزراعية على قدم المساواة مع مثيلاتها في الأسواق العالمية. وفتحت الدولة المجال لاستثمار القطاع الخاص في مناطق واسعة من الصحراء سواء على الضفة الغربية لقناة السويس أو في سيناء أو صحراء مصر الغربية أو حتى في الظهير الصحراوي لمدن الصعيد الواقعة على جانبي نهر النيل. يظهر من اللغة الواثقة أن المسؤولين المصريين يؤمنون عمل المبادرات المحلية في الزراعة والصناعة والسياحة لجذب رؤوس أموال عربية وأجنبية لإقامة مزارع على ملايين الأفدنة، منها مشروع تبلغ مساحته 5 ملايين فدان للري الزراعي الحديث في الأراضي الزراعية القديمة، بتكلفة تبلغ نحو 7 مليارات دولار، ناهيك بالأراضي الجديدة التي يجري تجهيزها على قدم وساق. قبل عدة أشهر بدأ مزارع يدعى سلومة علواني، مثل مئات من الفلاحين الآخرين، تمهيد قطعة أرض تبلغ مساحتها 5 أفدنة لكي يستثمرها في منطقة العلمين التي كانت تعد أخطر منطقة للزراعة في العالم. وكان انتشار الألغام هنا يمثل أحد أكبر التحديات أمام خطط السيسي لبث الحياة في تلك المنطقة الثرية.. انطلق ألوف العمال والمهندسين إلى هناك لاستكمال مشروع إزالة الألغام وإعادة التخطيط ورصف الطرق وتجهيز المطار للعمل وتحديث مرسى اليخوت حتى يكون قادرا على تنظيم رحلات مباشرة من البحر المتوسط، ومن المنتظر أن تستوعب العلمين استثمارات بمليارات الدولارات ضمن التصورات التي سيتطرق إليها مؤتمر شرم الشيخ. يقول علواني، وهو من أبناء مدينة العلمين ويبلغ من العمر 50 عاما، إنه رغم إزالة الجيش للألغام، فإنه لم يكن متأكدا من أن الأرض التي دفع مدخرات عمره ثمنا لها، يمكن أن تكون صالحة للزراعة، إلا أنه تمكن بالفعل من حرثها بالجرار الزراعي لزراعة القمح والبطيخ. وتأكد أنها آمنة. بعيدا عن الضجيج، قام الجيش في الفترة الأخيرة بتطهير مساحات واسعة من الأراضي التي كانت فيها ألغام من مخلفات الحروب في شرق القاهرة وفي الصحراء الغربية رغم التكلفة العالية لهذه العملية، على أمل تحويل حلم السيسي إلى حقيقة وفتح أبواب التنمية والبناء والتعمير. ويقول الرئيس في حديثه للقيادات المحلية، إن أمامه تحديات كبيرة أخرى منها إيجاد حلول دائمة لمنع انقطاع التيار الكهربائي. وتجتذب محافظة الإسماعيلية المنافسة بين المستثمرين لإقامة مشروعات إسكانية وسياحية فيها. وتوجد أيضا أراض بمساحات شاسعة حول بحيرة قارون في جنوب القاهرة يسعى عدد من رجال الأعمال لتحويلها إلى منطقة جذب سياحي دولي خصوصا أنها قريبة من المواقع الأثرية سواء تلك الواقعة في الصعيد أو أهرامات الجيزة والمتحف المصري الكبير الذي سيجري افتتاحه خلال السنوات المقبلة. محافظة البحيرة ذات الطبيعة الريفية والواقعة بالقرب من مدينة الإسكندرية تسعى هي الأخرى إلى جذب المستثمرين الأجانب إليها. يقول المحافظ محمد سلطان إنها محافظة واعدة وتريد نصيبا من المؤتمر الاقتصادي، بينما يؤكد محافظ محافظة المنيا اللواء صلاح الدين زيادة، استعداد المحافظة لاستقبال مشروعات زراعية وصناعية وسياحية خاصة في مناطق الظهير الصحراوي للمحافظة، إلى جانب إقامة مجمعات للتعليم الفني لإعداد العمالة المتخصصة، وتأسيس قرى سياحية تطل على المناظر الخلابة في مدن المحافظة وقريبة في الوقت نفسه من المزارات الأثرية. وعلى طريق الواحات بمدينة السادس من أكتوبر، في غرب القاهرة، بدأ رجال أعمال عرب ومصريون في بناء أضخم مركز تجاري. وتشارك في مؤتمر شرم الشيخ الذي يأتي تحت اسم: «دعم وتنمية الاقتصاد المصري.. مصر المستقبل» مئات من الشركات الكبرى ورجال الأعمال. ويعطي حضور زعماء عرب ثقة في قدرة مصر على اجتياز المصاعب التي تمر بها. ويعطي المؤتمر أيضا فرصا للقاء بين رجال الأعمال المحليين والعرب والأجانب ومع ممثلي الحكومة. على سبيل المثال، يقول أحد المسؤولين إنه سيجري الاستماع إلى رجال أعمال من ألمانيا والصين متخصصين في إقامة محطات توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بتكلفة تتراوح بين 3 مليارات دولار و5 مليارات دولار. من جانبها، تراقب بعثة تابعة للبنك الدولي موجودة في مصر منذ عدة أسابيع الأمن والاستقرار في هذه الدولة التي مرت بثلاث سنوات من الاضطرابات أسفرت عن مصاعب اقتصادية وخسائر بمليارات الدولارات. وبعد أن كان معدل التنمية قد وصل لأكثر من 7 في المائة في نهاية 2010، انخفض عقب تخلي مبارك عن السلطة إلى نحو واحد في المائة، لكن المعدلات بدأت ترتفع مجددا بعد تولي السيسي الحكم. ومن أكبر المشروعات المنتظرة بعد مشروع قناة السويس، بناء المحطة النووية بمدينة الضبعة على البحر المتوسط. زار الدكتور أنطون مسكوفين، مدير الشركة الروسية التي ستنفذ المشروع، المدينة، والتف حوله مئات الموطنين وأخذوا يصفقون له ويحثونه على الإسراع في تنفيذ المشروع، بينما بدأت الحكومة في إقامة مناطق سكنية جديدة للأهالي وصرف تعويضات مالية لهم مقابل الأرض التي ستقام عليها المحطة وتبلغ مساحتها نحو 60 كيلومترا مربعا. اللواء أبو زيد يقول إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعطى تكليف للشركة المختصة بأن تكون الأولوية في أعمالها بالدول الأخرى لمشروع الطاقة النووية بالضبعة. تقع هذه المدينة في نطاق محافظة العلمين المزمع الإعلان عنها بعد انتهاء فعاليات المؤتمر الاقتصادي. وتعول مصر على تحويل هذه المحافظة المستحدثة والواقعة على بعد نحو 300 كيلومتر شمال غربي القاهرة، إلى منطقة جذب للاستثمار العقاري والسياحي والزراعي والصناعي. وتعطلت التنمية في هذه المنطقة منذ وقوع المعارك الكبرى فيها بين دول الحلفاء والمحور أثناء الحرب العالمية الثانية عام 1939، وتركت فيها ملايين الألغام المضادة للأفراد والدبابات. وقرر الرئيس السيسي، عقب فوزه في الانتخابات العام الماضي، تحويل العلمين إلى محافظة مستقلة بنفسها، بعد أن كانت تابعة لمحافظة مطروح، مع وضع خطة شاملة لتهيئتها للمشروعات الكبرى، وزيادة عدد السكان فيها من نحو 40 ألفا إلى أكثر من مليون نسمة. وقبيل موعد المؤتمر الاقتصادي بدأت ومنذ أكثر من شهرين الآليات الضخمة في إزالة الطرق القديمة وإقامة طرق جديدة بالتزامن مع أعمال مقاولات كبرى في البناء والزراعة تجري على قدم وساق على واجهة شواطئ العلمين وبطول الظهير الصحراوي الذي جرى تطهيره من الألغام بواسطة الجيش. ومن أشهر المواقع التي سيجري البناء عليها في العلمين، المناطق السياحية التي تقدر قيمتها بنحو 50 مليار دولار أميركي، والتي ظل النشاط السياحي فيها يقتصر على أشهر الصيف الثلاثة كل سنة، مثل منتجع «مارينا» المملوك لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، ومعه أيضا منتجعات «مراقيا» و«مارابيلا» و«كازابيانكا» وغيرها من عشرات المشروعات الضخمة التابعة للقطاع الخاص والتي تمتد حتى منطقة منتجعات سيدي عبد الرحمن حيث تشهد استثمارات لافتة لمستثمرين خليجيين ومصريين. يقول إبراهيم الزوام، رئيس جمعية حدائق السلام لمتضرري الألغام، إن المشروعات الجديدة والمنتظرة يمكنها القضاء تماما على السمعة السيئة للعلمين بوصفها منطقة ألغام.. ومع إصرار المواطنين والحكومة على تغيير الواقع المرير الذي سببته الألغام طيلة عقود، لم تعد العلمين مجرد ساحل على البحر للمنتجعات الصيفية، أو محطة صغيرة في الصحراء تثير الخوف، بل تحولت، بعد قرار تحويلها إلى محافظة، إلى منطقة تحظى بأولوية لخطط التنمية والتوطين، لتخفيف الضغط السكاني على مدن وادي النيل. يقول المسؤولون في الأمانة التنفيذية لإزالة الألغام وتنمية الساحل الشمالي التابعة لوزارة التعاون الدولي المصرية، إن الخطط الموضوعة لعلاج مشكلة الألغام ستنتهي بحلول عام 2017، و«بعدها ستبدأ دنيا جديدة».