لم يؤذني منظر بعد مناظر القتل والذبح التي تملأ حياتنا كل يوم أكثر من منظر معلم وهو يُضرب بأيدي طلابه، ومن مشهد لطلاب يلاحقون معلمهم ويطرحونه أرضا وهو يقاومهم للنجاة منهم! ليس هناك أكثر تشوها وعدم سوية من حدوث مثل هذا الأمر الذي يمس جوهر التربية والتعليم، وجوهر التشكل السوي للإنسان. اعتداء طلاب على معلم في مدرسة "معاذ بن جبل" في جازان حدث يستحق التوقف والمساءلة والعقاب. هؤلاء الفوضويون الصغار بالعمر الكبار في الجريمة ماذا عساهم يصبحون بعد سنوات من الآن؟ ماذا سيكون لديهم من فكر وخلق ووعي ليعايشوا التعلم من خلاله؟ بالتأكيد لن يكون لديهم غير منطق العنف، والتخريب، والفوضى. لقد كان أهون على النفس أن أرى معلما يضرب تلميذا ليؤدبه ألف مرة من أرى وأسمح بتمرير فكرة طلاب يضربون معلمهم. لا شك أن هذا ضد المنطق وضد الطبيعة السوية التربوية والتعليمية. وعلى الوزارة معاقبتهم بصرامة ليعتبر البقية. مع إيماني وعلمي أن ما خفي كان أعظم، فإن المقاطع التي تم تداولها أيضا عن طلاب يقومون بلعب البلوت داخل الفصل الدراسي، والمعلم يشرح الدرس وليس له من اعتبار، وتداول مقاطع الطلاب الذين يضربون المعلم في ساحة المدرسة جهارا نهارا، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة من تجاوزات للطلاب. الذي يحدث في مدارسنا من فوضى تربوية أمر لا يمكن تجاهله. لن أطالب ببث وعي بين الطلاب أو الآباء لتعليم احترام المعلم والمدرسة، ولن أضع مبررات ساذجة تزيد الأمر سوءا ومن قبيل أن ما حدث هو تصرفات فردية أو التبرير بوضع هامش كبير يضع الحق على المعلم وعلى شخصية المعلم. إن التعاميم التي قامت بحماية الطالب على حساب المعلم لم تقم بموازنة عادلة بين ما تعنيه صفة المعلم وما تعنيه منزلة الطالب، لم يكن هناك تقدير للمسافة العظيمة التي يجب أن تكون بين الطالب والمعلم. منذ سنوات ونحن نطالب الوزارة أن تخرج من دائرتها الورقية، والبيروقراطية، والمكاتب الباردة، والورق المؤرشف، والتعاميم وليس غير التعاميم. لا أشياء ملموسة تمس التربية للفوضويين من الطلاب ولمشكلات التربية العالقة. الوزارة وطوال أعوام كثيرة مضت أقصت المعلم بعدم حمايته وثبت فشل تعاميمها التي تصب في مصلحة الفوضى التربوية، فهل ستعيد للمعلم هيبته بعد أن فشلت في حماية معلميها الذين يمثلون هيبة هذه الوزارة؟