اتصل بي صديقي وهو غاضب من أسلوب أحد المذيعين. كان المذيع يستخدم مصطلحات أجنبية أكثر من المصطلحات العربية رغم وجود ما يمكن أن يستخدمه في لغتنا الدارجة. في أثناء حديث صديقي كنت أستمع لمذيعة أخرى وهي تسخر من اعتراض أحد المستمعين على استخدامها كلمة أجنبية. قالت طيبة الذكر حاضر "حاعدل" الكلمة "عشان" خاطرك. هذه الحالة من استخدام "بؤ" ولا "بؤين" من اللغة الأجنبية كانت من قبيل الاعتزاز بمعرفة لغة الأجانب، لكنها تحولت إلى مرض أسهمت في نشره مجامع اللغة العربية ومحطات التلفزة والإذاعات والبيئة، لدرجة لم يعد الواحد قادرا على الهروب منها. الإشكالية الحقيقية تقع عندما تتحول حياتنا كلها إلى حالة من اعتماد العامية، وإلغاء اللغة العربية التي نسمعها في إذاعة القرآن الكريم فقط. بل إن كثيرا من المثقفين والمثقفات بدأوا يسلكون نهج استخدام حروف من قبيل "الدال" بدل "الذال"، و"السين" بدل "الثاء"، في كتاباتهم ومراسلاتهم، في مواقع التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص. أستغل فرصة معرض الكتاب، وحياة اللغة بين ظهرانينا لأنادي بإيقاف الإسفاف الذي نراه يوميا. يحتار المتابع لهؤلاء المتعلمين، لا يمكن أن يكون هناك أشخاص يرفضون لغتهم بهذا الشكل السافر وهم أساتذة في الجامعات والمعاهد والكليات، فماذا نتوقع من طلبتهم! إن استمرار هذه الحالة سيؤدي إلى فقدان اللغة مزيدا من المتحدثين ويدفع بنا نحو حالة من نسيان اللغة، لتجد أكثر الناس يسألون ما معنى هذه الكلمة أو ذلك المصطلح، وهو أمر يؤسف له حقا، خصوصا عندما يتعلق الأمر بجزيرة العرب التي هي مصدر هذه اللغة. أذكر حينما كان تخصص اللغة الغربية من أعتى التخصصات، وكان التلميذ في مدارسنا الابتدائية والمتوسطة يحفظ معلقات امرؤ القيس وعنترة وغيرهما من فحول الشعر، ليأتي جيل هو أبعد ما يكون عن الفحولة، "اللغوية" أقصد. لكن المؤثر الأكبر والأهم في الجيل الصاعد هم أولئك الذين يعتبرون مثالا يحتذى، وما دام قدوات المجتمع الجديد يأتون من ملاعب الكرة ومن شاشات الأفلام وحفلات الغناء، وما دام أغلبهم لا يعرف الفرق بين المبتدأ والخبر والفعل والفاعل فسيكون حالنا كما قالت المذيعة ذات الصوت الجميل والماكياج الرائع، "نو قوود".