يصمد رئيس الحكومة اللبنانية المكلّف تمّام سلام في موقعه الصعب منذ ما يقارب السبعة أشهر، لم يتوقف عن التواصل مع القوى السياسية اللبنانية كافّة، لكنّه في الواقع لا يتغاضى عن أن هذه القوى هي العامل الرئيسي في عرقلة عملية تأليف الحكومة. ذاق سلام في الفترة التي كلّف بها رئاسة الحكومة "الأمرّين"، وأخطر ما يتعرّض له حاليا هو محاولة ما يسمّيها "القوى السياسية" التنصّل من الغطاء السياسي الواسع الذي محضته إياه (سمّاه 124 نائباً) ووضع مسؤولية الفراغ الحكومي المتمادي فوق كاهليه. برأيي: اللبنانيون يريدون حكومة واقع.. والاعتذار عن التأليف قد يشكّل انتكاسة للبعض لكنّ "تمّام بك" يبدو مرتاحاً بعد انتهاء عطلة عيد الأضحى التي كان فيها على تماس مباشر مع القواعد الشعبية السنية وسواها التي قصدت دارة المصيطبة التاريخية من أرجاء لبنان كلّه مجدّدة ولائها وإيمانها بالجهود الصادقة التي يبذلها لإنقاذ لبنان من فراغ حكومي ينعكس جمودا وشللا على مرافق أساسية، وسط تنامي المخاطر الأمنية المتنقلة من منطقة الى أخرى على وقع الحرب السورية. يتنحنح رئيس الحكومة المكلّف لدى سؤاله إن كان لا يزال بعيداً من الاعتذار ويقول: "إذا كان الاعتذار يساهم في انفراج ما أو في تحقيق أمر مساعد، فليس عندي حرج منه، ولكنني لغاية هذه اللحظة أرى بما ألمسه من تأييد شعبي كبير بأن الاعتذار قد يشكّل انتكاسة عند بعض الناس". وهنا تفاصيل حوار سلام مع "الرياض" في دارته في المصيطبة: * لماذا لا يؤلف سلام مع رئيس الجمهورية حكومة أمر واقع؟ سؤال يطرحه كثر من محبي "دولة الرئيس"؟ - "تهدّد القوى السياسية بأن هذه الحكومة غير ممكنة وبأنها ستتصدّى لها بشكل مباشر، وطالما كان جوابي بأنّني أسعى الى حكومة "واقع" وليس الى حكومة "أمر واقع"، وحكومة الواقع برأيي هي الحكومة التي يريدها الناس، أي التي تضمّ أشخاصاً أكفّاء لديهم صدقية وليس بالضرورة أن يكونوا تكنوقراطاً بل قد يكونوا آتين من تجربة سياسية سابقة ولكن لهم وزنهم لدى الناس وقادرين على عبور هذه المرحلة الحرجة والدقيقة". ويضيف: "هذه الحكومة لم تر النور لأننا حاولنا الأخذ بالاعتبار مطالب القوى السياسيّة التي تبدّلت أيضا واتخذت أشكالا مختلفة معيقة الوصول الى تأليف حكومة سياسيّة. بعد الوضع الأمني الذي ضرب البلد منذ شهر تقريبا أصبح المطلب منصبّا على حكومة جامعة أي أنّها تضمّ جميع القوى السياسية وأحد صيغها ال 8\8\8". وهل لا تزال هذه الصيغة حيّة بعد بروز صيغة ال 9\9\6؟ يقول سلام: "برأيي أنّ جميع الصيغ لا تزال حيّة، لأن ثمة فريق يوافق على صيغة ال 8\8\8 وفريق آخر لا يوافق على صيغة ال 9\9\6، وهلم جرا وما زلنا في دوامة رغبات القوى السياسية". * وردّاً على محاولة البعض إلقاء مسؤولية تعثّر التأليف عليه - قال: "إنني لم أتوقف يوماً عن التواصل مع القوى السياسية لكنني وضعت لنفسي منذ بداية الطريق بعض القواعد في العمل، وهي ليست كما يقول البعض شروطا قيّدت نفسي بها بل هي قواعد لتحصين دور الرئيس المكلّف أولها: المداورة في الحقائب وألا تضمّ الحكومة شخصيات حزبية منفّرة كي لا نشكّل حكومة متاريس في الدّاخل، وعدم القبول بالثلث المعطّل لأنني لا أرى حكومة تريد الإنتاج والتصدي والعمل وفيها تعطيل منذ بداياتها وأنا لا زلت أعمل ضمن هذه القواعد وهذا ما قد يصطدم مع القوى السياسيّة". * ويعترف سلام بوجود حملة ضدّه لحمله على الاعتذار. - قائلا: "لا شكّ بوجود حملة تقودها القوى السياسية وأنا أواجهها بكل بساطة بما أتلقاه من دعم غير مشروط من جميع الناس ومن مختلف الطوائف، الناس يدعمونني لإدراكهم بأن القوى السياسية هي التي تعرقل عملية التأليف وليس الرئيس المكلّف". * وعن التواصل مع النائب وليد جنبلاط وتحليله لموقفه؟ - هو من ينبغي أن يشرحه، نحن منذ البداية حرصنا على التعاون مع الأستاذ وليد جنبلاط في تشكيل الحكومة لأننا اعتبرنا بأنّ موقعه الوسطيّ بين القوى السياسيّة سيساعدنا ونأمل بأن يستمرّ هذا الموقع الوسطي بالرغم من الموقف الأخير الذي تمّ اعتماده من قبله والذي أعطى انطباعا فيه وكأنه أصبح مع فريق 8 آذار وليس مع فريق 14 آذار، مع ذلك فنحن نتابع ونأمل بأن يكون للنائب وليد جنبلاط دور يتمكّن من خلاله من المساهمة في إيصال الأمور الى حكومة منتجة". * ماذا عن الفراغ في رئاسة الحكومة ألا ينعكس ذلك سلبا على الموقع السنّي الأول في لبنان؟ - "بالتأكيد ينعكس" يقول تمّام بك، مضيفاً: "نحن نحرص على هذا المركز وعلى هذه المؤسسة التي هي شريكة أساسية في نظامنا الديموقراطي الذي يقوم على سلطتين: تنفيذية وتشريعية ينبغي أن يكون بينهما تكامل وتوازن، هنا تكمن المساءلة والمحاسبة ومن هنا كانت دعوتي وحرصي أنّه لا مصلحة بتشكيل حكومة تكون نسخة مصغّرة عن الواقع السياسي في مجلس النوّاب، لأن الأمر يشبه من يستنسخ مجلس النواب في السلطة التنفيذيّة، بينما يجب أن يكون دور السلطة التنفيذية خاضعا للمساءلة وللمحاسبة من السلطة التشريعية، وإذا كان الاستنساخ قائما، ونفس القوى السياسية موجودة في السلطتين التنفيذية والتشريعية عندها تضيع المحاسبة ومعه الفصل بين السلطتين". * وعمّا إذا كان متخوفا من فراغ مزدوج في الرئاستين الأولى والثالثة. - قال سلام: إذا لم تتم الانتخابات الرئاسية في ايار المقبل فسنصبح في فراغ رئاسي أيضا، كما أن ثمة فراغاً تشريعياً على مستوى عدم إجراء الانتخابات، لأن التمديد ليس هو الحلّ". * في كلمة الى الدول الخليجية - قال: "إن كان من كلمة للخليج وفي مقدمتها طبعا المملكة العربية السعودية، فهي تستند الى ما هنالك من علاقة تاريخية وثيقة بيننا وبينهم، والى ما دعمونا وما زالوا يدعموننا به إن على مستوى احتضان مئات الآلاف من اللبنانيين الذين يرتزقون ويعيشون بكرامة وبإنتاجية عالية ترتدّ علينا في لبنان، أو بالدعم المباشر للدولة اللبنانية في ظروف حالكة وصعبة إن كان ماديا أو معنويا، وهذا ما زلنا نتطلع إليه ونتمسّك به، ونحرص على أن يكون واقعنا السياسي متكاملاً مع هذه الرغبة الخليجية الدائمة في احتضان لبنان ودعمه".