×
محافظة المنطقة الشرقية

القرار السعودي.. والصدمة العالمية | د. إبراهيم عباس

صورة الخبر

مرة أخرى، غرق الفرقاء اللبنانيون في دوامة قراءة التطورات الخارجية وانعكاساتها على الساحة الداخلية، كل وفق تحالفاته الإقليمية. بعضهم يكيّفها وفق توجهاته، وبعضهم الآخر يرى ملاءمة توجهاته مع الرياح الخارجية والتحسب لتحولات ستحصل، والبعض الثالث يرى أن من المبكر الحسم في شأن مسار هذه التحولات إذا كان هناك من يسعى الى الإفادة منها. فربطاً بالاتفاق الأميركي - الروسي على التخلص من السلاح الكيماوي السوري، والسعي الى عقد مؤتمر «جنيف - 2» من أجل الحل السياسي في سورية، وبخطوات الانفتاح الأميركي - الإيراني بدءاً بالتفاوض على الملف النووي، تعددت هذه القراءات والأبرز فيها قراءة كل من فريقي الصراع كالآتي: 1 - ان اطرافاً لبنانيين أصيبوا بخيبة أمل من أن واشنطن وموسكو توصلتا الى التسوية حول الكيماوي، لم تشمل مصير نظام الرئيس بشار الأسد، ومن أن هذه التسوية تطيل عمر الأخير وتمدد فترة معاناة الشعب السوري ومعاناة لبنان جراء استمرار تدخل «حزب الله» في الميدان السوري، لإعانة النظام على استعادة مناطق من المعارضة، مع ما يعنيه هذا من تجميده الحلول لمأزق الفراغ الحكومي، لأنه يعيش حال انتعاش من الانفتاح الأميركي على طهران بحيث تترك الحلول في لبنان للمساومات بين الأخيرة وبين واشنطن وبينها وبين القوى الإقليمية الأخرى ومنها دول الخليج.   دوامة التدخلات إلا أن أصحاب هذه القراءة من قوى 14 آذار يعتبرون ان ما يحضّر له من تسويات بين الكبار لا يعني ترجيح كفة بقاء النظام السوري، بل إن مسار التخلص من الأسلحة الكيماوية أدخل النظام في دوامة التدخلات الخارجية التي لا بد من أن تنتهي الى التغيير في سورية، لكن الأمر سيأخذ وقتاً، وفي الانتظار على قوى 14 آذار الثبات على مواقفها وعدم تقديم التنازلات التي تتيح التسليم لنفوذ إيران والنظام السوري أن يستمر على الشكل الحاصل منذ إسقاط «حزب الله» حكومة الرئيس سعد الحريري بداية عام 2011، في انتظار اتضاح ما يدور من تفاوض خارجي. بموازاة قراءة هذا الفريق كان واضحاً انزعاج الدول الخليجية الحليفة لفريق 14 آذار من إقدام إدارة الرئيس باراك أوباما على تسوية الكيماوي من دون التنسيق معها، ومن دون التوافق مع روسيا على مصير النظام، فالاتفاق بين الدولتين الكبريين تناول الكيماوي ولم يأتِ على ذكر من استخدمه، فيما الانفتاح على طهران سيركز على ملفها النووي، وخفض العقوبات، مع شكوك بألا يتناول التفاوض نفوذها الإقليمي في عدد من دول المنطقة، وتزداد تحفظات هذه الدول وشكوكها بمآل الانفتاح على طهران، مع الخشية من إشراك طهران في مؤتمر «جنيف - 2» من أجل الحل في سورية، فيما تعتقد أن طهران هي المشكلة، إن في سورية أم في عدد من الدول، من العراق الى البحرين ودول خليجية أخرى فاليمن ولبنان.   أوان لم يحن والترجمة العملية لهذه القراءة عند هذا الفريق هي في رفض القبول برجحان كفة خصومه على الساحة اللبنانية، لأن أوان الصفقة المتكاملة لم يحن بعد ولأن التفاوض سيأخذ وقتاً طويلاً، سيبدي فيه حلفاء إيران والنظام السوري تشدداً في الإمساك بأوراقهم ومن ضمنها في لبنان، ما يقتضي من فريق 14 آذار ألا يقبل بالصيغة المطروحة للخروج من الفراغ الحكومي، أي صيغة 9+9+6 التي تعطي الحلفاء اللبنانيين للمحور الإيراني - السوري الثلث المعطّل في الحكومة. وقد أبلغ قادة «تيار المستقبل» في هذا السياق فريق رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط الذي أعلن تأييده هذه الصيغة، رفضه الكامل لها واتجاهه الى الانسحاب من أي حكومة تفرض الثلث المعطل. كما أبلغ الموقف نفسه الى الرئيس المكلف تمام سلام. وفي وقت يعتبر اتجاه في قوى 14 آذار أن قيام حكومة ولو بصيغة 9-9-6 أفضل من استمرار حكومة تصريف الأعمال والفراغ الذي قد يمتد الى الرئاسة الأولى، فإن الفريق الداعي الى التشدد في وجه «حزب الله» يرى أنه حتى لو قبلت 14 آذار بهذه الصيغة، فإن عرقلة تأليف الحكومة ستستمر عبر الشروط في شأن الحقائب والأسماء، لأن سياسة الحزب إبقاء الوضع اللبناني معلقاً الى حين التفاوض الإيراني - الخليجي، فيكون أي تنازل مجانياً. هذا فضلاً عن ان استمرار الصراع الميداني في سورية سيشمل مزيداً من التورط لـ «حزب الله» في المعارك فيها، والتي قد تشهد تصعيداً أكثر، لا سيما في المناطق المحاذية للحدود السورية - اللبنانية... وقد تشمل مناطق لبنانية على الحدود، فتكون الحكومة بشروط الفريق الآخر تغطية لهذه المشاركة. 2 - ان التطورات في نظر القراءة الثانية أدت الى تثبيت الأسد في الرئاسة، وليس مجرد إطالة عمره فيها. ويقول أصحاب هذه القراءة ولا سيما منهم «حزب الله» إن الاتفاق على الكيماوي شمل حلاً يتم في ظل النظام الحالي، لأن التوافق بين موسكو وواشنطن كان ثمنه تولي الأولى إدارة شؤون سورية وتسليم الثانية بذلك، في ظل سياستها الانكفائية في المنطقة بعد سلسلة هزائمها فيها. وهذا ينعكس في لبنان باحتفاظ «حزب الله» وحلفاء النظام بمكاسبهم التي حققوها في السلطة السياسية وتكريسها، لأن الظرف المناسب لذلك أقله في انتظار مرحلة التفاوض الجدي على الوضع الإقليمي وتوزيع النفوذ، مع ما يقتضيه ذلك من استمرار دور الحزب الميداني في سورية وما يتطلبه هذا الدور من حماية سياسية وأمنية له على الصعيد اللبناني، في تركيبة السلطة السياسية، ما يعني الإصرار على حد أدنى هو الحصول على الثلث المعطّل في الحكومة الجديدة. ويتوازى ذلك مع إبقاء الحزب على حملته على دول الخليج والمملكة العربية السعودية كما تدل على ذلك أدبياته وإعلامه. وتعتقد قوى 8 آذار أن خيارها الوقوف الى جانب النظام ومع إيران حقق لها انتصاراً على المحور الإقليمي الخليجي - التركي، وأن بعض هذا المحور أخذ يتكيّف مع بقاء الأسد في السلطة، ومع النفوذ الإيراني في عدد من الدول ويهيئ لمعاودة صلاته مع النظام السوري، وأن التقارب الإيراني - الأميركي ناجم عن تنازل الولايات المتحدة الأميركية ورغبتها في استعادة العلاقة مع إيران. وهذا انعكس تغييراً لمصلحة قبول دول الغرب بحضور إيران مؤتمر «جنيف - 2» لتكون شريكاً في الحل السياسي المزمع إرساء أسسه مع مفهوم جديد لـ «جنيف - 1»، يقضي بأن تتشكل الحكومة الانتقالية الكاملة الصلاحية من مناصري الأسد ومن نسبة معينة من معارضيه، مع أرجحية له فيها. وفي رأي هذا الفريق ان الرياح الإقليمية تغيرت باتفاق الكيماوي، وستتغير أكثر إذا حصل الاتفاق على النووي بين إيران والغرب بحيث يكون لطهران الثقل الأكبر في المعادلة الإقليمية والأزمات القائمة في عدد من الدول. وعبّر عن ذلك السفير الإيراني غضنفر ركن أبادي خلال زيارته رئيس كتلة «المستقبل» النيابية فؤاد السنيورة اللافتة الاثنين الماضي حيث أكد «اننا لم نتنازل عن شيء في العلاقة مع الأميركيين، بل هم الذين ركضوا نحونا يريدون الاجتماع بنا، ونحن رفضنا حصول اجتماع في نيويورك (الشهر الماضي)، لأننا لا نبحث عن الصورة من دون أن يكون هناك شيء في المضمون». ويؤكد السفير الإيراني أن الأميركيين أصروا على حصول الاتصال الهاتفي بين الرئيس باراك أوباما وبين الرئيس حسن روحاني فلاحقوه على طريق المطار ليطلبوا محادثته. «لكننا فرضنا شروطنا لأي تقارب، وهي الاحتفاظ بحق تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة والإصرار على استمرار برنامجنا النووي السلمي، ولن نتراجع عنها». وتشير مصادر اطلعت على فحوى الاجتماع ان السفير أبادي، الذي تجنب الحديث مع السنيورة عن الأزمة السورية أكد استعداد بلاده للتعاون في المنطقة وخصوصاً مع المملكة العربية السعودية فضلاً عن لبنان «خصوصاً أننا حاولنا تقديم مساعدة في كل المجالات، مثل الكهرباء والغاز حيث أوصلنا الأنابيب الى الحدود مع سورية، لكن لم يحصل تجاوب». إلا أن أبادي لم يتناول موضوع المساعدة في الحلول السياسية للأزمات، حيث دعاه السنيورة الى اتباع سياسة حسن الجوار مع الدول العربية للتخفيف من الاحتقان الحاصل مع إيران كدولة مهمة في الإقليم...   قراءتان متعارضتان في الخلاصة، ان القراءتين للوضع الإقليمي متعارضتان وإن كانتا تشملان تقاطعاً في بعض أوجههما، إلا أن كلاً منهما يقود الى مواقف متباعدة على الساحة اللبنانية، فالفريق الأول يرى أن مفاعيل التحولات الدولية - الإقليمية لم تتضح بعد لأن هذه التحولات ما زالت في بدايتها، ولا بد من انتظار انعكاسات التنازلات المتبادلة التي من المبكر البناء عليها في الساحة اللبنانية. والفريق الآخر يرى انه حقق تقدماً لمصلحته ومصلحة حلفائه لا بد من ترجمته في موازين القوى الداخلية. ولبنان ما زال معلقاً بين هاتين القراءتين. ولا يبدو ان الفريق الوسطي، الذي يستند الى قراءة تدعو الى الإفادة من مرحلة التقارب الدولي - الإقليمي، من أجل تثبيت حد أدنى من الاستقرار، قادر على أن يفرض صيغاً وسطية للخروج من مأزق الفراغ الحكومي والشلل في المؤسسات.