جاء محمد علي من جزيرة مايوت، أو كما سماها العرب قديماً «جزيرة الموت»، ليتجول بين جموع الحجيج، متمماً حجته الـ26 على التوالي، متخلياً عن بزته العسكرية ورتبه التي تزين كتفيه، حاسراً عن رأسه قبعة كثيراً ما اعتمرها إبان تجوله خلال أداء عمله كضابط شرطة، تاركاً مسجد جزيرته الذي غالباً ما يؤم مصليه، ليتفرغ لخدمة بعثة حجاج «مايوت الفرنسية». بعثة حج جزيرة مايوت التابعة للحكم الفرنسي، حج منها هذا العام 460 حاجاً، من أصل 200 ألف شخص هم عدد سكانها الذين يعتنق 95 في المئة منهم الدين الإسلامي الحنيف، والذين تحولت مقارّ إقامتهم من جزيرة تعد الأخت الرابعة لجزر القمر، إلى منطقة اللسان في مشعر منى، كانت الشعب المرجانية المحيطة بالجزيرة والتي كثيراً ما حطمت سفن العرب المتجهة إليها، سبباً في تسميتها «جزيرة الموت»، التي حول الاستعمار الفرنسي اسمها إلى «جزيرة مايوت» ليبقى عالقاً بها حتى الآن. بتكلفة أربعة آلاف يورو وثماني ساعات سفر كانت الضريبة التي دفعها الـ 460 حاجاً ليصلوا إلى الأراضي المقدسة، وكان بينهم الحاج محمد علي، الذي لم يفوّت حجة واحدة منذ 26 عاماً، إذ عمل خلال أعوام خدمته في الشرطة في مساعدة حجاج جزيرته، والتي رافقته خلالها والدته في ثلاث منها، وزوجته في حجة واحدة، ليكون حاجاً وحيداً في 22 حجة. محمد، قسّم عيدي العام إلى قسمين، كان نصيب أبنائه الستة منها عيد الفطر، وخصص عيد الأضحى لخدمة الحجيج، إذ أوضح أن أبناءه اعتادوا على أن يكون معهم في عيد الفطر، وأن يتنازلوا عن رفقته في عيد الأضحى ليصطحب حجاج مايوت، مقابل أن يعود إليهم محملاً بالهدايا من الأراضى المقدسة. هدايا العيد، التي اعتاد أن يجلبها محمد إلى أبنائه، لم تتأثر بتغيير عملة مايوت الفرنسية من «فرنك» إلى «اليورو» كالتغيير الطارئ على تجارته السنوية بالذهب، إذ إنه اعتاد قبل تغيير العملة على شراء نحو ثمانية غرامات من الذهب من الأراضي السعودية بنحو 500 فرنك فرنسي، ليبيعها في مايوت بمكسب يصل إلى 150 فرنكاً، في نوع من الاستفادة من حجته التي يطلب منها أجر الآخرة، يشاركه فيها أجر الدنيا الذي ساعدته لغته العربية الفصيحة في التفاوض مع تجار الذهب. اللغة العربية التي يتحدث بها محمد علي اكتسبها من خلال ابتعاثه للدراسة في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة لثلاثة أعوام، تعلم خلالها اللغة والعلوم الإسلامية، ليصبح ضابطاً شرطياً، ومساعداً للحجيج، وإماماً بالإنابة في جزيرة مايوت .