أكدت منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، أن تمسك المنظمة بحجم الإنتاج اليومي من النفط الخام الذي يبلغ 30 مليون برميل يوميا يرجع إلى أن هذا هو حجم الإنتاج المناسب والمطلوب للسوق في المرحلة الراهنة، مشيرة إلى أن المنظمة تعمل دوما على التأكد من تلبية احتياجات المستهلكين الخاصين بها. وأشارت لـ "الاقتصادية"، مصادر في المنظمة إلى أن "أوبك" لا تسعى إلى سعر معين وإنما تركز على الوصول إلى السعر المقبول لكل من المنتجين والمستهلكين على السواء، موضحة أن المعروض يمر حاليا بمرحلة ما يسمى "ثورة" المصادر الجديدة، خاصة من المنتجين خارج "أوبك". وأوضحت المصادر أن هذه الثورة ستغير ملامح السوق على المدى الطويل، مشيرة إلى أهمية الحذر في التعامل مع هذه التغيرات "ومن الضروري أن نضع الأمور في سياقها وأن ندرس السوق في كل الأطر الزمنية". وأضافت المصادر أنه على المدى المتوسط، ستستمر "أوبك" في زيادة العرض بتوقعات تصل إلى أكثر من أربعة ملايين برميل يوميا بين عامي 2013 و2018، مضيفة أن "الطلب على إنتاج "أوبك" ما زال جيدا"، ومؤكدة أن الإمدادات من خارج المنظمة ستلعب دورا مهما في السنوات القليلة المقبلة وهذا تحول طبيعي ولا يقلق المنظمة، ومعظمها قادم من أمريكا الشمالية. من ناحية أخرى، تحدث مختصون نفطيون عن تقرير لموقع "المونيتور" الأمريكي الذي أكد أن النمو الاقتصادي في السعودية لن يتأثر بتراجع أسعار النفط لعدة أعوام، حيث لفت إلى سعي السعودية إلى إنعاش قطاع الخدمات للعب دور رئيس في دعم النشاط الاقتصادي بعد التراجع الملحوظ في أسعار النفط في الآونة الأخيرة. وذكر المختصون أن التقرير تضمن عددا من التوصيات الاقتصادية البارزة وفى مقدمتها الدعوة إلى ضرورة توجه السعودية نحو الاستثمار في قطاعات وأنشطة ليس لها علاقة بالنفط الذي عانت أسعاره حالة تذبذب شديدة في الفترة الأخيرة. وشدد هؤلاء على أهمية تسريع الجهود باتجاه إنهاء مشروع النقل العام ودخول عصر الطاقة الشمسية وإعادة النظر في دعم الطاقة الذي يقدره مختصون اقتصاديون بـ 100 مليار ريال وفق أقل التقديرات بعد ارتفاع عدد السكان إلى أكثر من 30 مليون نسمة أخيرا. ويقول لـ "الاقتصادية"، الدكتور إبراهيم عزت المتخصص النفطي المقيم في النمسا، "إن الاقتصاد السعودي امتص أزمة تراجع أسعار الخام على نحو جيد بفضل احتياطاته القوية، كما قاد "أوبك" لتبني رؤية مستقبلية واعية لمسار سوق النفط عندما حثت السعودية دول المنظمة على الحفاظ على الحصص السوقية والتنازل مؤقتا عن الأسعار المرتفعة وهو ما أثبتت صحته تطورات السوق". وأوضح عزت أن التمسك بالأسعار المرتفعة كان سيصب في مصلحة منتجي النفط الصخري وسيؤدي إلى خسارة "أوبك" عديدا من أسواقها، مشيرا إلى تصريحات علي العمير وزير النفط الكويتي الذي أكد فيها أن تراجع إنتاج النفط الصخري أسهم في تحسن أسعار النفط العالمية، لكن الأسعار لن ترتفع كثيرا طالما استمر تباطؤ الاقتصاد العالمي. وذكر عزت أن استمرار غياب الاستقرار السياسي وتصاعد موجات الإرهاب في العراق وليبيا ما زال يمنع استقرار السوق، لافتاً إلى تأكيد العمير أن الدول المنتجة لو خفضت إنتاجها فإن ذلك لن يحدث تأثيرا كبيرا في تحسن أسعاره ما دام الاقتصاد العالمي لم يشهد تحسنا هو الآخر. وأكد عزت أن هناك اتفاقا بين عديد من الدوائر الاقتصادية على أن الارتفاع قادم ومستمر في أسعار النفط دون العودة للمستويات القياسية السابقة حيث تشير التوقعات إلى أن الأسعار قد تتحسن هذا العام، ولكنه توقع أنها قد تظل في نطاق بين 50 و60 دولارا للبرميل. وشدد عزت على ضرورة تعاون المنتجين والمستهلكين من أجل استقرار السوق وهو ما أكده وزير النفط الكويتي أيضاً حين أكد أن قضية انخفاض أسعار النفط هي مسؤولية جماعية تخص جميع الدول المنتجة سواء من داخل "أوبك" أو خارجها. من جهته، أكد لـ "الاقتصادية"، بيوتر فدوفنسكي المحلل البولندي، أن نفط الشرق الأوسط ما زال يتمتع بميزات نسبية في عديد من أسواق الاستهلاك الرئيسية وفي مقدمتها السوق اليابانية، مشيرا إلى أن وزارة الاقتصاد اليابانية أكدت أن نسبة نفط الشرق الأوسط، أي من الدول العربية وإيران، بلغت 80.3 في المائة من إجمالي واردات كانون الثاني (يناير). وأوضح فدوفنسكي أنه ضمن هذه الكمية بلغت نسبة النفط العربي 75.3 في المائة أي أن ثلاثة أرباع احتياجات اليابان النفطية جاءت من دول مجلس التعاون الخليجي والعراق وهو ما يؤكد أن الأسواق الرئيسية للاستهلاك في آسيا ما زالت تفضل الاعتماد على نفط الشرق الأوسط. وأشار فدوفنسكي إلى أن واردات اليابان من النفط السعودي بلغت 32.90 مليون برميل أو نسبة 30.4 في المائة من إجمالي الواردات، كما استوردت من الإمارات 27.05 مليون برميل أو ربع الإجمالي. وأكد المحلل البولندي، أن المؤشرات الإيجابية للأداء الاقتصادي في الصين واليابان وكوريا الجنوبية تدفع بقوة نحو ارتفاع الأسعار لأنها تعكس انتعاش الطلب في أسواق الاستهلاك الرئيسية، مشيرا إلى وجود كثير من التوقعات الإيجابية لمسار الطلب القادم من هذه الدول خلال السنوات القليلة المقبلة. وقال لـ "الاقتصادية"، بيتر تراوبمان المحلل النمساوي، "إن هناك ضرورة للسيطرة على نشاط التنظيمات الإرهابية في تجارة النفط الدولية ومنعهم من إنشاء سوق سوداء موازية للنفط تحول دون استقرار السوق والأسعار". وشدد تراوبمان على ضرورة تأمين المنشآت النفطية ووقف عمليات الهجوم والاعتداءات المسلحة عليها خاصة في العراق وليبيا، مشيدا بالضربات القوية التي توجهها الأردن بالتعاون من الإمارات إلى مراكز تنظيم داعش. وأكد تراوبمان أهمية تعاون المجتمع الدولي لتأمين مصادر الطاقة وحمايتها من عناصر الإرهاب والجريمة، مشيرا إلى تصريحات عادل عبد المهدي وزير النفط العراقي، الذي أكد أن العراق يواجه تحديات أمنية واقتصادية كبيرة ويسعى بقوة من أجل استعادة السيطرة على الأراضي التي احتلها "داعش" الذي يستهدف تفكيك وإضعاف العراق. وأكد الوزير العراقي قدرة بلاده على زيادة الاستثمارات في النفط والغاز لتلافي آثار هبوط أسعار النفط عالميا، إلا أنها تولي أهمية خاصة للمتطلبات العسكرية لمحاربة "داعش" وتوفير جميع الاحتياجات لذلك. وأضاف المحلل النمساوي، أن "نفس الأزمة في ليبيا التي تعاني اضطراب الإنتاج والتوقف المتكرر له بسبب الهجمات المسلحة وهو ما يعطل مساعي التنمية الاقتصادية التي تعتمد على النفط الخام الذي انخفض إنتاجه بشدة لأقل من 400 ألف برميل يوميا مقارنة بـ 1.6 مليون برميل يوميا قبل عام 2011".