تتسارع الأقلام والتحليلات الصحافية إلى تناول الشأن المصري؛ لأن مصر في قلب أحداث المنطقة، لا يمكن استبعادها أو إغفال دورها سلباً أو إيجاباً، ويتأثر بعض الكتاب والمحللين السياسيين بقناعاتهم الشخصية والأيويدلوجية؛ فتؤثر في مدى موضوعية ما يطرح من تحليلات واستنتاجات ومرئيات. إن تناول الشأن المصري والضربة الجوية المصرية لليبيا من زاوية واحدة تتعلق بإنقاذ مصر من الانــجرار في حرب طويلة الأمد؛ انطلاقاً من مقارنة الجنرال خليفة حفتر بـ «داعش»، باعتباره يرفض الاحتكام إلى الديموقراطية؛ لأنه أول من رفع السلاح، ومقارنة ليبيا بالعراق، وإقحام انتفاضة الأنبار والمالكي في مقاربة تصل إلى نتيجة خطيرة كما قال جمال خاشقجي «ألف داعشي ولا مالكي». في ظل هذا التناول تخرج علينا مقالات تجعل من «داعش» أقل الضرر، وتنتهي إلى نتائج تساعد على الضبابية والخلط المخل بالموضوع، حتى يصبح القارئ غير المختص في حيرة من أمره، وبدلاً من تقديم رأي يثري الموضوع، قد يساهم الكاتب بحسن نية أو لتعاطفه مع تيارات معينة، في الترويج أو التبرير لجماعات من الأسوأ في تاريخ البشرية. إن ما يحدث في المنطقة ليس لنشر الديموقراطيّة أو محاربة غير المؤمنين بها -كما يزعم بعضهم- في حال الجنرال خليفة حفتر، فالديموقراطية التي نادت بها أميركا لم تكن لإحلال المشاركة في الحكم ونشر الديموقراطية، ولو كان الأمر كذلك لكان العراق واحة للديموقراطية بعد دخول الجيش الأميركي البلاد وإنقاذها من حكم صدام، وهو عكس ما تم، إذ أدخلت أميركا الطائفية وقسمت البلاد وجعلت الحكم على أساس مذهبي وطائفي في الدستور العراقي الذي رعته وباركته، فأصبح العراق مقسماً مفرقاً؛ بسبب خطة وضعتها أميركا مسبقاً وليست وليدة الساعة، استفادت منها إيران وتركيا، في حين ما زال بعض المحللين يعيش رد الفعل وينسى أو يتناسى الفعل والفاعل والمستفيد. استفادت إيران من المذهبية والطائفية في العراق لبسط نفوذها ونهب خيرات البلاد ودعم أشخاص مثل نوري المالكي الذي لا يشكل العراق هاجساً أو مكاناً في سلم أولوياته. واليوم، وبعد أعوام من الاستبداد والفساد، أصبحنا نسمع من الرئيس باراك أوباما نقداً للمالكي وإدارته، أما فائدة تركيا فهي إشغال الأكراد عن قضيتهم وفكرة الاستقلال والانفصال، وإدخالهم في حرب مع «داعش» وغيره بعد أن فتحت حدودها للجماعات المتشددة. ترك الغرب وحلف الناتو ليبيا بعد القضاء على القذافي، لتواجه البلاد حرباً أهلية وتشرذماً وانقساماً، ويجب ألا يغيب عنا اللاعبان الإقليميان تركيا وإيران، اللذان يجيدان استغلال المشكلات والانقسامات في مصلحة اقتصادهما ونفوذهما في المنطقة، وإن كان الثمن الذي يدفعانه غالياً في ما بعد، وكأن لسان حالهما يقول «عيِّشني اليوم وموِّتني بكرة»، فالمسألة ليست المصالحة والتقريب، وإنما تنازع القوى الإقليمية للنفوذ والسيطرة وإضعاف مصر حتى لا تكون لاعباً أساسياً. مجلس الأمن والمجتمع الدولي تركا ليبيا، فلم يضطلع مجلس الأمن بمسؤولياته، إذ تحرك سريعاً لإزاحة القذافي، وغض الطرف عن المليشيات لترتع في ليبيا وللطامعين ليأخذوا حصتهم من الفريسة، ولتنتعش تجارة السلاح ويباع النفط بأبخس الأسعار. لا... لم ينقذ مجلس الأمن مصر من الوقوع في فخ «داعش»، وإنما عجز عن خلق آلية فعالة للقضاء على «داعش»، وانطلت الكذبة بوجوب إعطاء فرصة للحل السياسي والمصالحة، ففي ظل النفوذ الخارجي والمصالح الإقليمية واللاعبين المحليين الذين يخدمون هذه المصالح، لا يمكن الوصول إلى مصالحة في غياب هيبة الدولة والقانون، فـ «داعش» والميليشيات الليبية لاعبون محليون يلعبون في نواد إقليمية من مصلحتها تحقيق الأهداف. إن تناول الشأن الليبي أو السوري أو العراقي وغيرهما، لا يصح أن يعالج بعيداً من مصالح القوى الإقليمية في المنطقة والقوى العالميّة، فالديموقراطية والمصالحة تطرحان فقط لخلط الأوراق، وقد أثبتت الحروب أنها لا تغني من جوع، ونتائجها تهجير وتشريد وضياع، وأصحاب المصالح هم المستفيد الوحيد، لذا لن يكون هناك حل إلا بفرض الدولة هيبتها، وفي ظل الدولة تتم المصالحة والمصارحة والمكاشفة. لذا من مصلحة تركيا أن تكون مصر ضعيفة، ومن مصلحة إيران أن تصطف مصر معها لخلط الأوراق التي تحسن خلطها، وفي مصلحة اللاعبين الصغار التفتيت والتقسيم. هذه القوى تعمل لتأخذ نصيبها من الضحيّة، ومجلس الأمن وجامعة الدول العربية مطالبان بالتحرك لإعادة الدولة التي هدمت لإزالة القذافي، لقد خلقوا في ليبيا ألف قذافي، وآن الأوان لإعادة الدولة وهيبتها والأمن والاستقرار.