حدثني شيخي عبدالرزاق بن صالح أنه في زمن مضى كان كبار السن يستعرضون مهارات أبنائهم المتعلمين في المناسبات، وبما أنه كان في الكتاتيب وقف يوم زواج أمام حشد وأنشأ يردد ما لقنه الفقيه من عبارات يحفظها الشيبان أحسن منه، وعندما استقام صديقه الطالب في مدرسة حكومية صادحا (بلاد العرب أوطاني) صفق له الجميع وكافؤوه في حين قام أبو عبدالرزاق بصفعه أكثر من كف وطرده من المناسبة ما دفعه في اليوم التالي لترك الغنم في الوادي والالتحاق بمدرسة الظفير السعودية ليواصل تعليمه ويتخرج من الجامعة أستاذا في البلاغة والنقد. أبو مشعل يرى (أن التلقين والحفظ جناية ويدعو للتفكير والتأمل وطرح الآراء) بل ويعترف وهو اليوم في السبعين من العمر متعه الله بالصحة (أنه تخلى عن فكرة الاستبداد في الرأي مع الأسرة والأولاد وأنه تحول إلى شخصية حوارية ويقنع بالمنطق دون مكابرة) شرفت بالدراسة على يديه في المعهد العلمي ثم ترافقنا بحكم العمل سويا وكان في زمن طفرة الصحوة يقول لي ولآخرين من زملاء متحمسين (يا ولد أحمدوا الله على النعمة وتشفقوا ونعم، أنتم معكم نعرة، الله يكفينا شرها) ويضيف (بعد تحطون المناقع فوق الزير) ويدعونا لركب العقلاء ناصحا (ليش ما تغنون معنا على الطرق) وقتها كنا ننظر لطرحه على أنه رجعية وتقلدية وهو لا يفتأ يردد «بعد تعود لذاك القشر يا دوي» أبو مشعل طاقة روائية وسردية كبيرة لكنه انتبه لهذه الموهبة بعد فوز عبده خال بالبوكر وحاولت إقناعه بالكتابة فقال: ما عاد يمديني عبده خال قطع علينا الطريق! ومن يعود إلى طرح المفكر المصري أحمد عبدالملك عن كرومر الذي جاء للعالم العربي عام 1906م، ليدير المستعمرات البريطانية سيجد أنه وضع أسسا للتعليم منها تأصيل (الحفظ والتلقين) ومن يتأمل بعض واقعنا سيقتنع بجناية التلقين علينا، ومن عرف أبا مشعل سيتأكد من جناية عبده خال عليه.. وسلامتكم.