دعاء عبد اللطيف-القاهرة في إطار استنساخ مشاهد الحقبة الناصرية، جندت الدولة المصرية رجالها من النخبة السياسية والإعلامية، للتهليل لإنشاء مفاعل نووي بمساعدة روسية، تماما كما كانت تجربة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. وجاءت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخيرة إلى مصر، لتزيد من أبواق التهليل بالمشروع النووي، خاصة أن الرئيس الروسي وقع مع نظيره المصري اتفاقية لإنشاء مفاعل بمصر. ووصل التهليل بأخبار المفاعل إلى درجة أن السفير الروسي بالقاهرة، انتقد طريقة تناول وسائل الإعلام المصرية للمشروع قائلًا "الإعلام المصري بالغ في تناول الموضوع، وصوّر أنه سيتم إنشاء المحطة في يوم وليلة". إلى هنا تبدو الأمور متسقة مع حالة الاحتفاء بكل ما تفعله السلطة دون أي نقد، لكن أصواتا جديدة باتت تطل على الساحة الإعلامية لتنتقد خيالية بناء مفاعل نووي في دولة تعاني اقتصاديا. القمامة تنتشر بشوارع مصر بينما يدور الحديث عن حلم المشروع النووي(الجزيرة) سخرية ونقد الإعلامي المصري عمرو أديب، أظهر مؤخرا انفعالا شديدا، خلال تقديم برنامجه بإحدى المحطات الفضائية، من اهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسي بإنشاء مفاعل نووي في الوقت الذي تغرق الشوارع في القمامة. لافتا إلى ضرورة أن ينظر السيسي إلى مشاكل المجتمع. كما اندلعت موجة تعليقات ساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي بعد الإعلان عن إنشاء المفاعل النووي، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها مصر، وانتشرت وسوم (هاشتاغ) ساخرة مثل "مفاعل نووي" و"فكر في اسم المفاعل النووي". الناشط الحقوقي وائل عباس، نشر خبرا صحفيا على حسابه على فيسبوك عن سرقة قضبان قطارات مترو الأنفاق، مزيلا بتساؤل حول كيفية بناء دولة مفاعل نووي في وقت تسرق فيه القضبان الحديدية. أما هدى حامد، فأبدت اندهاشها من حديث السيسي عن مفاعل نووي، في الوقت الذي يتحدث عن توفير عربات خضار للشباب العاطل، فكتبت "بيتكلم عن إنشاء مفاعل نووي وفي نفس الوقت بيتكلم عن عربيات خضار لخريجي الجامعات!". وفي مقال له يحمل عنوان "مشروع بناء مستقبل مصر" سرد الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية محمد السعيد إدريس، مشوار مصر النووي. وأشار إلى بدء المشروع النووي عام 1954 بإنشاء لجنة الطاقة الذرية، التي أشرفت على أول مفاعل نووي للأبحاث "أنشاص" بالتعاون مع روسيا وبدأ تشغيله عام 1961. وأوضح أن مصر أعدت مشروعا لإقامة محطة نووية لتوليد الكهرباء عام 1964، لكنه لم يتم بسبب نكسة 1967. وقال إدريس إن محاولات تكررت في عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك لبناء محطة نووية لكن المشروع تعثر، بسبب ما وصفه بضغوط خارجية وتواطؤ داخلي. السفير بلال المصري: مصر تفتقر الإرادة السياسية لتنفيذ المشروع النووي (الجزيرة) تجربة سفير مصر السابق في النيجر بلال المصري، يروي للجزيرة نت، تجربته في تحقيق شراكة تعاون مع دولة النيجر -ثالث أكبر مصدر عالمي لليورانيوم- لتموين مفاعل مصر النووي باليورانيوم. ووفق المصري، فإنه حصل علي موافقة رسمية من حكومة النيجر في مارس/آذار 2012 لإقامة شراكة بالمجالات التعدينية، كما استجابت الخارجية المصرية لطلبه بتدريب خمسة كوادر من النيجر في مجال الحماية من الإشعاعات الأيونية. ورغم الاتصالات المباشرة التي أجرها الدبلوماسي السابق بهيئة المواد النووية، فإن شيئاً لم يتحقق. ويعدد المصري المصاعب التي يواجهها المشروع النووي السلمي، وأولها بطء حركة مسؤولي الملف النووي. وأردف "قد يرجع هذا البطء لضغط خارجي، فالمشروع سيضمن النهوض الاقتصادي لمصر وسيحرر قرارها السياسي". والتحدي الثاني -وفق المصري- هو محدودية القدرات التمويلية للدولة، أما الثالث فيخص الجدل حول موقع المفاعل حيث سبق تحديد منطقة الضبعة، إلا أن هناك تشكيكا من درجة الأمن التي يحققها. وأضاف أن مصر تفتقد الإرادة السياسية في تصنيعها النووي، رغم توفر الكوادر الفنية والموقع الآمن، وتفاقم أزمة الطاقة. غير أن المتحدث باسم هيئة المحطات النووية إبراهيم العسيري قال إن مصر لديها العديد من سبل استخراج اليورانيوم من مناجم الفوسفات ومناجم اليورانيوم بالجبال السوداء. وأكد -في تصريح صحفي- أن الاتفاق بين مصر وروسيا يلزم الأخيرة بنقل التكنولوجيا النووية التي ستستخدم لتصنيع المحطات. وأضاف أن مصر ستصنع 20% من المواد التي تحتاجها عملية بناء المحطات النووية، وستزيد النسبة تدريجيا.