إذا كنت لا تتذكر أحدا تراجع عن قراره، فهذا قد يعني أن كل من حولك قد اتخذوا قرارات راجحة، وهو أمر لا يصعب تصديقه! لا سيما ونحن نشاهد في مؤسساتنا الحكومية والخاصة العديد من القرارات التي ما زلنا ندفع ثمنها لأن مُتَخِذ القرار مصر على ألا يعدل عن قراره. فتأخذه أحيانا «العزة بالإثم»! صحيح أن تكلفة العدول عن بعض قراراتنا أكثر كلفة من المضي في القرار نفسه، لكن في أحيان أخرى يصبح العدول الفوري خيارا أوفر للجهد والوقت. لا سيما حينما يتعلق القرار بحقوق الناس المادية، أو رفع الظلم عنهم، أو إيقاف هدر المال العام، أو وجود بديل أفضل، أو عند اكتشاف ارتكاب مخالفة إدارية أو قانونية فادحة، هنا يكون «الرجوع إلى الحق خيرا من التمادي في الباطل»، كما يقال. وأحيانا نعزف عن قرار ما حينما نكتشف أن تداعيات خطيرة مثل كرة الثلج كلما تجاهلنا تدحرجها كبرت معها حجم المخاطرة المحدقة بها. وينسى كثير من القياديين أن العدول عن القرار يضفي مصداقية على صاحبه؛ لأن لسان حاله يقول إنني اكتشفت خللا ما أو أن المعلومات التي وردتني من فريق العمل ليست دقيقة. هذا التراجع بحد ذاته يوصل رسالة للفريق وغيره بضرورة تحري الدقة، ويشهر «بطريقة مهنية»، إن جاز التعبير، بمن «يكروت» أو «يلفق» الحجج والمعلومات لمتخذ القرار اعتقادا منه أن مهمته تنتهي باتخاذ مسؤوله للقرار. وكأن القرار جمرة مشتعلة همه التخلص منها. وأكثر ما يحرجنا عند التراجع عن القرار أن المعلومات التي بنينا عليها القرار كانت سطحية. صحيح أن ليس كل قرار يحتاج إلى دراسة جدوى مثلا أو دراسة علمية، لكن العرب تقول: «ليس من سمع كمن رأى»، فهناك معلومات يمكن الوثوق بها، كأن يرى الفرد اللائحة أو المشكلة رأي العين، وهو أمر يختلف كلية عما يتناقل سمعيا بين الناس من «وكالة أنباء يقولون»! وحتى يتجنب الفرد لحظات العدول عن قراراته المخجلة لا بد أن يستشير المستشارين الأكفاء، وأن يُعَوّد فريقه الدقة، وأن يحاسب المتقاعس؛ لأن للقرارات قبل تكلفتها المادية الباهظة مسؤولية أخلاقية ومهنية.