لا زالت مواقف الحج ومشاهده ومواسمه معالم تجدد التوحيد لله وآثاره في قلوب وأعمال وأقوال عباد الله الموحدين وخصوصاً الحجاج والمعتمرين؛ فهذا الطواف بالبيت الحرام الذي جعله الله مثابة للناس وأمناً، لم يشرع إلا تعظيما وعبودية لرب البيت جل وعلا، وكذا مستحباته من استلام الحجر الأسود والركن اليماني فهو عبودية لله ومتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا بالاهتداء بهديه وطاعته ولزوم سنته، ولذا لما استلم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحجر الأسود وقال «والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يستلمك ويقبلك ما قبلتك»، متفق عليه. فطواف المسلم بالكعبة واستلامه الركنين اليمانيين منها لا اعتقادا بنفعها أو ضرها وإنما عبودية وتوحيدا لربنا الذي أمرنا بذلك في قوله: (وليطوفوا بالبيت العتيق)، واهتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي فعل ذلك. ومثله السعي بين الصفا والمروة، وذكر الله عليهما وبينهما، ولفت إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم منوهاً بتحقيق التوحيد والعبودية لله في النسك وعلى هذا المشعر، حيث لما دنا من الصفا قرأ قول الله عز وجل من سورة البقرة: (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما)، فالصعود عليهما ثم السعي بينهما سبعة أشواط تعظيماً لشعائر الله، وطاعة وعبودية لله في حرم الله، يلفت بذلك الانتباه إلى أن أعمالنا وعباداتنا هي تحقيق لعبودية الله التي هي الإسلام والتوحيد لله. ومن ذلك أيها المؤمنون مافي يوم عرفة و (الحج عرفة) كما يقوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث أفضل ما قاله الرسول والأنبياء قبله صلوات الله وسلامه عليهم في يوم عرفة الذي خير الدعاء دعاء ذلك اليوم، فكانوا خير ما يدعون الله به ذكرهم له سبحانه بحقه عليهم هو التوحيد، فلذا قال صلى الله عليه وسلم: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي، لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير). ومن أعلام التوحيد وشعاره ذلك اليوم ما صح من دنوه سبحانه وتعالى عشية عرفة من عباده يباهي بأهل الموقف الملائكة، ويقول سبحانه متفضلا ومتكرما عليهم: (انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبراً ضاحين من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم) رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما وصححاه عن جابر وغيره رضي الله عنهم. ومن مظاهر التوحيد وإعلانه بإعلان شعاره في الحج تلبيته صلى الله عليه وسلم في سيره وعلى دابته حتى ذكره لربه تهليلا وتكبيراً وتحميداً وتلبية تسميا عند المشعر الحرام ولاسيما بعد صلاة الصبح من ليلة المزدلفة، كما أمر به سبحانه في قوله من سورة البقرة: (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين. ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم). هكذا لنرى معاشر المسلمين أن مناسك الحج ومشاعره تتجلى فيها قضية تحقيق التوحيد لله بوضوح وجلاء كل ذلك والناس مجتمعون في الموسم، وفي حجة وداع للنبي صلى الله عليه وسلم، فأجلى فيها حق الله جلاء بينا. * عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وعضو التوعية الإسلامية في الحج.