لم تكن القضية الفلسطينية منذ زمن غير قصير قضية ثانوية في نظر الكثرة الكثيرة من المثقفين العرب بل كانت وما تزال القضية الأبرز في تاريخ الأمة العربية حيثما كانت. وكأن الاستعمار الغربي أدرك منذ زمن غير قصير أن خطر النهوض العربي سوف يكون لاغياً لأي وجود جديد للاستعمار الغربي في هذه البقعة من الكرة الأرضية ما لم يكن الى جانبه وجود جدي لقوى استعمارية قادرة في المنطقة تبرز نفسها بشكل كامل لمكافحة النهوض العربي في المنطقة الذي هو وحده فيها. إن كثيراً من القضايا الخفية فرضت نفسها في كل قارات العالم، أما قضية فلسطين وهي كبرى قضايا الحق في العالم فالمناصرة لها في العالم لم تجد إجماعاً عليها في القارات المختلفة. فلا فلسطين ولا العروبة تحظيان بتأييد عالمي لهما رغم وضوح جانب الحق في كليهما وبالحماسة نجح هؤلاء القوم في باطلهم وبالتهاون تراجعنا في حقنا. هذه العبارة التي يرددها كل فلسطيني غيور منذ فترة من الزمن تكاد تشرح بدقة تهاون العقل العربي في الدفاع عن حقوقه وجشع أصحاب الأطماع الأغراب في أرضنا. حتى لكأن الصورة تظهر من بعيد كما لو ان الخلاف بين المتهاون في ملكه والجاد في كل من يطمح بفرض مساحة له. ولكن قوة المتهاون غير مصحوبة بالجدية التي لن تمحى فيها الحقوق في هذه القضية بالذات وكل قضية متشابهة. ان العرب يظهرون على شاشات التلفزة كما لو انهم يتخلون بغير مسؤولية عن كل ما لديهم من أرض أو ملكية وهذه الصورة شوهت سمعة الانسان العربي في كل مكان في العالم لأنها صورته بصورة المستقيل بإرادة عن الحصص والحقوق المتاحة له، والتي تذهب الى غير نتيجة بعدم فطنته على حقوقه الكاملة وغير الكاملة الصغيرة والكبيرة على حد سواء. فالاستقالة هي الطابع العام للطريقة التي يتعامل معها الكثير من العرب والفلسطينيين الذين لا يزالون يملكون الارض في المناطق الفلسطينية. ان أبشع ما في صورة الانسان العربي في الاراضي المحتلة، هي انه مستقيل من حقوقه بإرادة منه وغير ارادة عن بقية ما ترك له آباؤه وأجداده من امكانات وملكيات، ان صورة الفلسطيني في قطاعات واسعة من الارض هي انه تخلى عن أرض لم يحسن الدفاع عنها، بل يبدو وكأنه تبرع بها لقاء بعض المظاهر كاتفاقات السلام. وكأن اسرائيل هي رمز السلام بينما العرب هم رمز الطمع بأملاك غيرهم، ان ما يحدث في فلسطين اليوم من توسع للاستيطان في موازاة اطلاق عملية التسوية، دليل اضافي على ان صورة الفلسطيني المستقيل من حقوقه لم تتغير. الا ان للعدالة حساباتها الأقوى من أن تدركها النفوس غير المنارة بأضواء الحق. وحدهم الانقياء الحقيقيون يرون الحقائق ولو مغطاة بنقائض البشر من كل لون وجنس. وصدقت يا رسول الله أول اً وآخراً في كل ما أوصيت. وقد أوصيت بأن أنصر أخي مظلوماً فرفعت عنه الظلم ولكن كيف لي أن أنصره ظالماً وقد طلبت مني ذلك أيضاً فجاءه الجواب: تأخذ بيده حتى عن ممارسة الظلم فالظالم والمظلوم كلاهما غريق. مقاربتان أشبه ما تكونان بالتشتيت منهما بأي شيء آخر فالمظلوم يفهم ان جانب الحق في قضيته هو الذي ضمن له الكسب في النهاية والظالم يفهم أن ممارسة الظلم تجارة خاسرة وملبسة النار لصاحبها. فمحاصرة الظلم قبل وقوعه وليس معاقبته بعد حصوله فقط ذلك ما دعا اليه الرسول العربي فالرواية التاريخية تقول انه ما من نبي عانى من بني قومه ما عاناه الرسول محمد بن عبد الله من اسرته وقريش، وكأنها جعلت من الكفر رسالة تتبرأ بها من كل ما كان يجسده من قول وعمل تحت راية الاسلام. مواجهة الظالم القوي ونصرة المظلوم ولمجرد أنه مظلوم دعوتان التزما بهما فرسان العرب حتى في الجاهلية وما أعظم ذلك الجواب الذي اجاب به الرسول على ذلك الاعرابي الذي جاء يعاتبه في قوله الشهيرة: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. إن كثيراً من القضايا الخفية فرضت نفسها في كل قارات العالم، أما قضية فلسطين وهي كبرى قضايا الحق في العالم فالمناصرة لها في العالم لم تجد إجماعاً عليها في القارات المختلفة. فلا فلسطين ولا العروبة تحظيان بتأييد عالمي لهما رغم وضوح جانب الحق في كليهما. فهل هناك اجماع دولي على انهما بالفعل اهم قضايا الحق لهذا العصر؟ ومن هنا حلف الصهيونية والاستعمار. ومن المفارقات المعارضة في حياة العرب اليوم مشهد الصمود في فلسطين حيث يقوم الشعب هناك بتماسك بطولي بامتياز يجمع غزة بالضفة. ولقد تراكمت الأدلة بمرور الأيام والسنون على أن لا بديل عن اعادة الروح الى الجسم الشعبي الفلسطيني على ارض وطنها المقدس. من المؤلم أن يكون بين العرب بل بين الفلسطينيين أكثرية تعطي اهمية لكل جانب من جوانب القضية الفلسطينية، ما عدا السهر على احياء الروح داخل العمل الفلسطيني والنضال الفلسطيني والمؤسسات الفلسطينية. هناك مع الاسف شعلة وجود للروح الفلسطينية يجب أن تعود للاشتعال على ساحة القتال الفلسطيني والعمل الفلسطيني والتكوين السياسي الفلسطيني. فالقضية الفلسطينية أهم من ان تعتبر واحدة من قضايا الأمة العربية الكثيرة فشعلة الروح للقضية الفلسطينية هي الأكثر ضرورة بين كل الضرورات الفلسطينية الأخرى وربما الكثير من القضايا العربية. ان كل حديث عن وجود القضية الفلسطينية لا ينطلق ولا يطمح من استحضار روح حية للعمل الفلسطيني يبقى محدود الاطار والجاذبية والاثر. في فترة من الفترات كانت عمامة الحاج أمين الحسيني توحي بأنها هي رمز وجود هذه الروح. ومع المجاهد العسكري فوزي القاوقجي كان ايحاء بوجود هذه الروح. أما ما بعد ذلك فقد غدت الروح في كل من النضال المسلح والعمل المؤسساتي الفلسطيني. فهل هذا يعني اننا سلمنا الى الأبد بسقوط رمزية العمل لاستعادة أرض فلسطين بعد أن نجحت اسرائيل في فرض الظلم الصهيوني عليها. وهل منا من نسي أن اسلام المسلم الغربي يمنعه من أن يسلم بصهينة ارض فلسطين كما ان مسيحية المسيحي العربي تمنعه هو الآخر من التسليم بالصهينة للأرض الفلسطينية المقدسة في كل الأديان. ان النضال من أجل الحفاظ على عروبة فلسطين واجب على المسلم العربي وغير العربي كما هو واجب على المسيحي العربي، بل وغير المسيحي بل على كل نصير للحق لأي جبهة أو دين انتمى. ان على المسلم العربي وغير العربي، كما على المسيحي العربي وغير العربي واجباً انسانياً يفرض نفسه هو مقاومة الصهيونية في كل مكان في العالم، وإلا فإن خطر التحالف الغربي مع الصهيونية سيدفع ثمنه المسلم والمسيحي حيثما كانا بل يدفع ثمنه اليهودي غير المتصهين نفسه، والمعروف ان روح الحرية لاحقة تكون في كل مكان عندما تكون صادقة مع نفسها في اي مكان.