أكدت الشاعرة السعودية نادية البوشي أنها إذا ما اقتربت من المشهد الثقافي السعودي لتتأمله، فقد تتعثر «بلوحة تحذرني من التوغل في التفاصيل! فثمة نتوءات مزعجة وخطوط نشاز علقت في وجه اللوحة حتى صارت «مألوفات»: مجاملات، شللية، إقصاء، انتقائية، مصالح خاصة و و و...». وأوضحت أنه، ومع تدني مستوى الشفافية «وضبابية إجراءات واستراتيجية وزارة الثقافة في إدارة الثقافة، تترسخ تلك السلوكيات غير الثقافية وتنشب أظافرها في اللوحة لتنتزع جمالها وتتركها مرتبكة مشوهة». وقالت لـ«الحياة» إن «الكل يمسك بريشته ويطبع بصمته من دون التفات إلى أي معايير، في ظل غياب استراتيجيات وإجراءات واضحة، تحدد وتسدد المسار للأنشطة والمشاريع الثقافية التي تُشرف عليها الوزارة على الأقل. هنا سأتراجع قليلاً لأقول بكل أسف: المشهد الثقافي: واجهة مشرقة وداخل غائم.. وكفى»! بيد أن هذا المشهد في شكل عام يبدو لها، حيوياً إلى حد ما، «سألمح قامات ثقافية وأدبية باسقة، ثمة منجز ثقافي - إبداعي جيد.. حراك مستمر طوال العام من جهات متعددة حكومية وخاصة». لكن هذه نظرة بانورامية واسعة من زاوية بعيدة». من ناحية ثانية، اعتبرت الشاعرة البوشي أن اختيار عنوان الدواوين أو القصائد، «من أشق المهمات وأشدّها حيرة، فيها يبدو الشاعر كمن يجمع كل حروفه، وصوره، وأفكاره وأوتاره في صُرَّة واحدة ليعلقها بمسمار على غلاف يقف كحائط كثيف أمام القارئ. و«بما سيجد من تأويل» هو عنوان ديوانها، وهو اسم إحدى قصائد الديوان، شعرت البوشي بأنه العنوان الأكثر قرباً من مضامين القصائد «والأكثر انفتاحاً على كل قراءة والأكثر تسامحاً وتآلفاً مع المتلقي ومعي، فالتأويل أزمتنا الفادحة، إن قلنا إنه أس التفاهم والانسجام سنقول أيضاً إنه أس الجفوة والخصام، إذ بتنا لا نرى بعضنا إلا من زاوية الضد، ولا نقرأ بعضنا إلا بحروف الشبهة، ولأن الأمر أبسط من قطيعة أعلنتها بأريحية: اقرؤوني بكل ما يتاح لكم من تأويلات، فلكم رؤية ولي رؤية، والحرف قادر على استيعاب كل الرؤى وكل ما يستجد من التأولات، وليس ثمة ما يستوجب تراشق أوزار المعنى والقصد التائه في المسافة الخفية بيننا». وقالت إنها تمهلت وتلكأتُ في إصدار ديوانها كثيراً «أُحبطت وتراجعت مراراً، وأمام كم النصوص احترت، فأضفت واستبعدت وأهملت كثيراً منها، إذ تراكمت لدي بحجم ديوان ثانٍ، بعضها كتب لزمن آخر، وبعضها لمكان لم أره بعد، وأخرى لقارئ لا أتوقعه، ثم بتحريض ودعم من الأحبة والأصدقاء عزمت وأقدمت». وأكدت رؤيتها في معالجة قضايا المجتمع شعرياً، قائلة: «الشعر إلهام وتحريض، قلق ومعاناة، يختار طريقه إلى معناه بلا اعتساف، ولا يخلو نص من قضية، فالإنسان هو القضية الكبرى بكل أبعاده، قضية بتناقضاته، وأحاسيسه، وأوجاعه، وأحلامه وانكساراته، والشاعر في توغله وتأمله في ذاته وما حوله قد تشغله قضية تختمر في «لاوعيه» وتحيا هاجساً يمور في أعماقه ويحتل مساحة من وجدانه لتنعكس في مرآة شعره، إما بوضوح وإما خفية تتراءى للقارئ كالأطياف تتلفع بالرمز وتتوكأ على الإيحاء، وبالتلميح تراود غايتها قرباً وبعداً، قضية قد لا يفطن إليها إلا بعد أن تستوي القصيدة أمامه نابضة بكل ملامحها وإشكالاتها، وسواء أظهرت واضحة أم توارت في ثناياها، فالأهم من طرح القضية كيفية ملامستها، فلا يتجاهل شروط الإبداع ولا يتنازل عن فنيات الشعر وجمالياته، وإلا فسينسرب منه الشعر ويتكلس في خانة المقال التربوي - الإصلاحي». وأكدت أن الشعر لم ولن يفقد قُرّاءه ووهجه حتى في عصر السرعة والتكنولوجيا، «كل ما في الأمر ضعف الإقبال على اقتناء الدواوين الشعرية بشكلها الورقي، وهذه نتيجة طبيعية لتوفره عبر الوسائل الإلكترونية الأقرب والأسهل والأقل كلفة، فعاشق الشعر متى شاء القراءة أو الاستماع لأي شاعر صوتاً وصورة فالأمر لن يكلفه سوى فتح جهازه النقال، هذه السهولة أثرت سلباً وإيجاباً في الشعر والشاعر، سلباً بتراكم الكتب الورقية في المخازن، وخلو الأمسيات الشعرية من الجمهور، وإيجاباً بانتشار أوسع وتواصل أسرع وتفاعل مباشر وقراءة مباشرة لمنجزه في عيون القراء». وعن غيابها عن الأمسيات الشعرية ومهرجانات ثقافية كالجنادرية مثلاً، كما كان في السابق وقت صدور «فتنة البوح»، قالت: «الخطوات الأولى لأي مبدع غالباً ما تكون مدفوعة بالحماس والانجذاب نحو المنابر، والانتشاء بأجواء الأمسيات واللقاءات، حتى تحين لحظة يصطدم فيها بواقع جامد جاف يعرقل أكثر مما يحرض على الانطلاق. هنا لا بد من وقفة تأمل، وربما محاسبة قد يخرج منها بنتائج غير مشجعة، وهذا ما حدث معي، نعم إذ تلقيت ومازلت أتلقى دعوات لإقامة أمسيات من غالبية الأندية الأدبية في المملكة وبعض الدول العربية، آخرها دعوة كريمة من نادي الباحة للمشاركة في ملتقى الشعر العربي الفائت، وبقدر سعادتي وتقديري لتلك الدعوات، كم تمنيت أن أوفق في تلبيتها، لولا أنها جاءت وقد تآزرت عليّ ظروف خاصة ورؤية تبدو متشائمة إلى حد ما، حالت دون ذلك، فمن المحبط للشاعر حدّ الانكفاء أن يشد الرحال ويتجشم عناء السفر من مدينة إلى أخرى لإحياء أمسية لا يحضرها سوى بضعة أنفار قد لا يتجاوزون العشرة، جلهم من منسوبي النادي! هنا وجه قاسٍ لانتصار الخيبة وانسحاب الشعر من المواجهة! هذا الوضع السائد في كل الأندية، كان له التأثير الأكبر في ابتعادي تماماً عن أجواء الأمسيات والمنابر.. التأويل مرحلة جديدة فلعل كيد الإحباط يكون ضعيفاً»