كان بورخيس يتحسر كلما زار مكتبة لأنه لا يستطيع شراء كتب تهمه فيها لسبب بسيط: أنها موجودة في مكتبته. ومن يقرأ كتب بورخيس، وسيرة حياته، والمقابلات معه، لا بد أن يخرج باستنتاج أن عاشق الكتب هذا، صاحب «مكتبة بابل»، لم يبق كتابا مهما قديما أو جديدا لم يقرأه، من التراث الإغريقي، والإسلامي، وصولا للأدب العالمي الحديث. القراءة عند بورخيس، التي لها «استراتيجيتها الخاصة»، إذا استعرنا تعبير ايتالو كالفينو، العاشق الكبير الآخر للقراءة، تتقدم على الكتابة. ونحسب أنها كذلك عند الكتاب الكبار فعلا. في مقال طويل له نشر في «الغارديان» البريطانية، يخطط إيان مكوان لتمضية العشرين السنة المتبقية له في هذه الحياة حسب تقديره - هو الآن في الرابعة والستين - في القراءة. إنه يتحدث بحسرة، وبالأسماء، عن كتاب كثيرين لم يقرأ لهم، ويسهب في شرح خطته البعيدة المدى - أم قصيرة المدى؟ - وبعد إنجازها، كما يقول، سيموت مرتاحا. لم يتحدث مكوان قط عن كتب سيكتبها. الكتب تأتي لاحقا، أثناء القراءة وبعدها، وليس قبلها.. وبالطبع، لا ننسى هنا العاشق الكبير الآخر للقراءة الكاتب الأرجنتيني ألبرتو مانغويل، الذي خصص أكثر من كتاب متحدثا