خَلصت دراسات حديثة أقيمت في دول غربية على تزامن زيادة الوزن مع دخول فصل الشتاء، وعادة ما تكون هذه الزيادة بمعدل نصف كيلو إلى كيلو لدى متوسطي الوزن، في حين تتجاوز هذا المعدل عند ذوي الأوزان المرتفعة. قد يعتقد البعض أن هذه الزيادة البسيطة في الوزن ليست بالأمر الهام، ولكن حسب ما أشارت إليه الأبحاث التي أقيمت على مجموعة من الأشخاص الذين يبلغون الخمسين عاماً أو أكثر، أنهم اكتسبوا ما يقارب الخمسة عشر كيلو غراماً عما كانوا عليه سابقاً لدى تخرجهم من المرحلة الثانوية، بمعنى أن الناتج عن عدم الإدراك الكافي للزيادة التراكمية في الوزن على مدار السنوات هو حدوث السمنة. نتساءل ما هو الرابط بين زيادة الشهية وبالتالي ارتفاع الوزن والانخفاض الحاصل في درجات الحرارة خلال فصل الشتاء، قد يذكر العديد أن المسبب لذلك هو طبيعة المأكولات الدسمة التي تغزو أغلب الموائد العائلية في هذا الفصل من السنة، وهذا فيه شيء من الصحة ولكن هناك مسببات أخرى مثل انخفاض معدل النشاط البدني: فإنه يقل النشاط البدني في فصل الشتاء بشكل ملحوظ حيث تعمل كل من الأمطار والنسمات الباردة على التقليل من الرغبة بالخروج للأماكن العامة وممارسة الأنشطة الرياضية كالمشي والجري، وقلة بذل المجهود البدني هذه تزيد من الرغبة بتناول الطعام بهدف اكتساب الطاقة وبالتالي تحدث الزيادة في الوزن، مما يعني أننا نتحرك بشكل أقل ونأكل بشكل أكبر. ومن الثابت علمياً أن النشاط البدني يعزز من الحمض الأميني «تريبتوفان” الداخل في تكوين هرمون السيروتونين الذي يفرزه الدماغ، أو ما يُعرف بهرمون السعادة، والذي يقلل من الشعور بالجوع كما يساعد على تحسين المزاج، وما يحدث هو أن قلة الحركة في هذا الفصل تخفض من معدل هذا الهرمون وبالتالي الشعور بالجوع وتعكر المزاج ثم اللجوء لتناول الوجبات الغذائية الدسمة. ومن مسببات زيادة الوزن قلة التعرض لأشعة الشمس، حيث يُنصح بالتعرض يومياً لأشعة الشمس سواء أكان ذلك عند الشروق أو الغروب تجنباً لنقصان مستوى فيتامين (د) في الجسم، والذي يلعب دوراً هاماً في المحافظة على أداء الجهاز العصبي ومساعدة الجسم على امتصاص الكالسيوم بالإضافة لنمو العظام وقوتها، ويؤدي نقصانه لزيادة الوزن حيث ينخفض استهلاك الجسم لمخزون الطاقة وبالتالي بقاء السعرات الحرارية الناتجة عن تناول الأطعمة المختلفة على هيئة خلايا دهنية، عن تحويلها لمصدر للطاقة يستهلكها الجسم عند حاجته، كما ثبت وجود علاقة طردية بين التعرض لأشعة الشمس ومعدل هرمون السيروتونين في الدم. ومن المسببات أيضاً العادات الغذائية الخاطئة، فيلجأ معظم الناس لتناول المشروبات الساخنة كالقهوة للحصول على الدفء، والتي يُفضل الاستعاضة عنها بالشاي الأخضر، حيث إن الشاي الأخضر غني بكل من البوليفينول والكاتشين اللذين يساعدان في محاربة مسببات العدوى وزيادة عمليات الأيض وخفض معدل الكوليسترول في الدم. ولابد من المحافظة على شرب كميات كافية من الماء بشكل يومي بغض النظر عن التقلبات الجوية المصاحبة لفصل الشتاء والتي بدورها تقلل من الرغبة في الشرب، فشرب الماء بكميات مناسبة يعمل على إبقاء الجسم رطباً بالإضافة لطرد السموم والأملاح الزائدة والمساعدة في عمليات الأيض (التمثيل الغذائي)، كما أنه يساعد على فقدان الوزن الزائد بالمساهمة في حرق الدهون والقضاء على الخلايا الدهنية، ولا مانع من إضافة بعض محسّنات الطعم (المنكهات) الطبيعية للماء كعامل مشجع على شربه. ويؤكد العديد من أخصائيي التغذية الإكلينيكية على أهمية عدم البقاء مدة طويلة كمرور أربع أو خمس ساعات من غير تناول للطعام، فالوجبات الصحية الخفيفة تعمل على تزويد الجسم بالطاقة اللازمة وبالتالي إبقاءه دافئاً، وبقاء الجسم دافئاً يقلل من الرغبة بتناول الأغذية الغنية بالكربوهيدرات مبسطة التكوين كالأرز الأبيض والخبر الأبيض. كما يُشكل تناول وجبات خفيفة غنية بالبروتين والألياف بين الوجبات الرئيسية عاملاً مساعداً على التحكم في الوزن خلال هذا الفصل، ومن هذه الوجبات الخفيفة: زبدة الفول السوداني مع بسكويت القمح الكامل، جبنة قليلة الدسم مع خبز أسمر، مكسرات وحبوب القمح الكاملة، تونة، أصابع الجبنة قليلة الدسم، مع أهمية تناول الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات المعقدة التكوين مثل البطاطا الحلوة، الجزر الأبيض، البقوليات، الخبز الأسمر والحبوب الكاملة، اليقطين (القرع)، والأرز البني. ولا ننسَ أهمية الإكثار من تناول الفاكهة والخضروات التي تساعد على الشعور بالشبع والمعروف أنها غنية بمضادات الأكسدة والعناصر المعززة لمناعة الجسم، كالرمان والتوت البري والبرتقال والليمون والعنب الأسود، بالإضافة لتناول الأسماك الدهنية كالسلمون لاحتوائها على أوميغا 3 المساعدة على تحسين المزاج وتقليل الاكتئاب الموسمي المصاحب لهذا الفصل لدى بعض الأشخاص. معدل السمنة حول العالم في ازدياد ملحوظ، وبشكل خاص في المملكة العربية السعودية، علينا التنبه إلى أن اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن مع المزاولة الدورية لمختلف أنواع الأنشطة البدنية عاملان رئيسان لتجنب السمنة والتمتع بحياة خالية من الأمراض والمضاعفات بإذن الله. * قسم المسؤولية الإجتماعية