بعد أيام يحل موسم معرض الرياض الدولي للكتاب، الذي ترعاه الدولة رعاية فائقة وحصيفة. هذا المعرض الذي أصبح ملء سمع وبصر العالم العربي كله وليس فقط المملكة، بدليل أن كثيرا من دور النشر الخليجية والعربية تتسابق إليه وتخطب ود القائمين عليه ليكون لها موطىء قدم فيه. وأنا شخصيا، وربما كثيرون غيري، يعتبرونه من أنجح وسائل القوة السعودية الناعمة والنادرة. لكن هذا النجاح تنغص عليه كل سنة دعاوى، تنشط وتخفت، لغلاة في موضوع الاختلاط. وكأن هذا المعرض يختلف عن (المول) أو القيصريات التي يختلط فيه النساء والرجال المحترمين وكل في حاله مع زوجته أو ابنته أو أخته أو قريباته بوجه عام. معرض الكتاب هو كذلك، أي إما عوائل وإما مجموعة نساء، كما هي مجموعات الرجال، تشاركن الحضور من أجل أن يتبضعن كتبهن في معرض شهير وكبير يمثل فرصة ثقافية رائعة ويقام في السنة مرة واحدة. كنت أظن أن تلك الفئة المغالية في موضوع اختلاط معرض الكتاب فهمت الموضوع بعد أن طال أمد تفهيمها ومناقشتها، لكنني فوجئت أن هناك الآن من يطالب بعودة المعرض إلى حالة الفصل السابقة: يوم للرجال ويوم للنساء. ولا أعلم سببا واضحا للنكوص إلى هذه المطالبات التي يفترض أننا دفناها بعد أن استوعبنا جميعا أن تجول الرجل والمرأة في معرض الكتاب ليس حراما ولا عيبا اجتماعيا ولا يمت إلى ثقوب المروءة بأية صلة. كل الناس، مع الاحتفاظ بحق البعض في الاختيار والقرار الشخصي، يسرهم أن يزوروا معرض الكتاب مجتمعين كأسر أو أصدقاء أو صديقات. ولم يحدث، في حدود علمي ومتابعتي، أن حدث ما يعكر صفو هذه الزيارات أو يشير إلى أي تصرف شائن. أقصد من الجانب الذي ينفخ فيه معارضو الاختلاط بأن ذلك يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، لأن هذا الذي لا تحمد عقباه أصلا غير واضح لكي نفهمه ونتعامل معه. هو مجرد تهويمات وهواجس في عقول البعض يمارسونها ويطالبون بها في كل مكان وزمان وليس فقط في مكان وزمان معرض الكتاب. ولذلك على أولئك الذين يتحفظون أو يريدون إرجاع عجلة المعرض إلى الوراء أن يفهموا من جديد وبالمنطق أن وجود امرأة ورجل في معرض الكتاب هو وجود مجتمعي راقٍ ومحترم، عليهم أن يحترموه ويوقفوا جهودهم الناشطة هذه الأيام لتكسير قواعده التي سار عليها ونجح من خلالها لسنوات. وفقنا الله..