من ولاية الموصل إلى ولاية الرقة، مرورا بولايات أخرى في الطريق، وصلت داعش إلى ولاية طرابلس وسرت ودرنة وغيرها في ليبيا، هكذا اختصرت المسافات وحرقت المراحل، وابتدعت طريقة جديدة غير مسبوقة للتوسع لم تسجل في تاريخ الحروب ولا عرفتها جيوش السابقين، هكذا وبكل بساطة تتساقط مدن كبرى ومحافظات أمام زحف داعش، وتتلاشى الحدود وتقفز فوق دول لتصل إلى حيث تشاء، وتسيطر بسرعة عجيبة وتبدأ تنظيم أجهزتها وانتشار أفرادها لتطبيق فلسفتها في الحكم وإدارة البشر. الذين استغربوا عندما سقطت الموصل أو عين العرب البعيدة عنها بمسافة كبيرة، عليهم أن يعيدوا النظر في فهمهم لما يحدث، فها هي داعش تسرح وتمرح في ثلاث دول، دولتان في الشرق ودولة في الغرب، وأصبحت لها وزارة إعلام مجهزة بأحدث تقنيات التصوير والبث المقروء والمرئي لنقل حفلات قطع الرؤوس وإحراق الأجساد والرجم بالحجارة حتى الموت أو القذف بالضحايا من علو شاهق أو حصص الجلد للكبار والأطفال. داعش أصبحت دولة مكونة من ولايات متناثرة، ولا يوجد غموض كبير في كيف أصبحت هكذا، فلو كان الذين يدعون محاربة الإرهاب يريدون القضاء عليها لاستطاعت أقمارهم وتقنياتهم التي ترصد كل ما في الفضاء وعلى الأرض التقاط أفراد داعش فردا فردا وتدمير معسكراتهم خلال يوم وليلة، لكنهم بدلا من ذلك جعلوها تنمو وتتضخم رغم القصف الجوي اليومي الذي لم يثبت لنا عمليا أنه أفلح في إصابة داعش أو حتى إخافتها. داعش تستعرض وحشيتها وتستقطب الكوادر من كل أنحاء العالم بشكل مستمر رغم أجهزة الاستخبارات والأمن والمراقبة والرصد، فهل نحتاج إلى ذكاء خارق لتفسير ما يحدث؟ أبدا لا نحتاج. والآن بدأت داعش تكتيكا جديدا أكبر من أن تكون هي المخطط والمنفذ الوحيد له، هو التحرش بكل دولة على حدة عن طريق استهداف رعاياها وجرها إلى مواجهة أحادية تزيح الأضواء عن التحالف الدولي وتقلل من أهميته لتتمكن داعش في ساحتها الرئيسة من العمل بهدوء وثقة واطمئنان. مرتزقة داعش أبسط بكثير من أن يضعوا هذه الخطط الحربية الاستراتيجية، وإذا أردنا أن نعرف ماذا تفعل داعش علينا أن نعرف ماذا تفعل الجهات التي سمحت بهذا الوضع.