نجح هاشتاغ على «تويتر» في تصويب سقطة للإعلام الأميركي. فقد فرض مغردون من حول العالم موقفهم وأشعروا الإعلام الأميركي بالإحراج والتقصير حيال تعامله البارد بداية مع الجريمة التي وقعت في ولاية «نورث كارولاينا» وأودت بالشاب السوري ضياء بركات وزوجته الفلسطينية يسر أبو صالحة وشقيقتها رزان. لقد استغرق الأمر نحو 15 ساعة عقب الجريمة للبدء بالتعامل مع الخبر، ولولا الهبة التويترية لربما كان الإعلام قد استمر في تجاهلها. بدا صعبا تقبل تبرير أن الثلاثة قتلوا بسبب خلاف على موقف سيارة، كما قالت الشرطة بداية دون أن تنفي احتمالات أخرى. التحقق من خلفية القاتل ومواقفه يظهر احتمالات اندفاع وراء رهاب المسلمين أو إسلاموفوبيا. ووالد الضحية يسر قال إن ابنته عبرت له عن سلبية الجار الجاني تجاهها. إذن، لماذا شعر الإعلام بالتردد حيال حقيقة أن ما حصل يحمل بصمات جريمة كراهية؟ ولماذا كان يمكن لجريمة من هذا النوع أن تبقى مأساة معزولة في الإعلام لو لم ينشط مغردو «تويتر» عالميا ويقلبوا التجاهل اهتماما بل واندفاعة في التغطية؟ لن نكشف جديدا إذا تخيلنا كيف يمكن أن يكون التعامل إعلاميا في حال انقلبت الأدوار لجهة الجاني والضحايا، فلو كان القاتل مسلما والضحايا مسيحيين أو يهودا أميركيين لكان الأمر استجلب اهتماما مختلفا من الإعلام؛ إذ يبدو للأسف أن القيمة الخبرية اليوم للمسلمين هي فقط بصفتهم جناة لا ضحايا. ولعل هذه الاندفاعة التي شهدها هاشتاغ «حياة المسلمين مهمة» تظهر أن من شارك فيه لم يكن يحتجّ فقط على جريمة واحدة؛ فقد فاضت التعليقات بالتعبير عن غضب وإحباط ظاهرين حيال صورة سلبية رسخت في الوعي العام العالمي حيال المسلمين، خصوصا المهاجرين إلى الغرب. تعكس التعليقات في هذا الهاشتاغ وجوها إسلامية أميركية وغربية تشبه تلك التي استهدفتها الجريمة الأخيرة؛ فضياء ويسر ورزان يمثلون شريحة من عموم المسلمين في الغرب. إنهم أولئك الأفراد العاديون الطامحون إلى تعليم عال وحياة ناجحة وعائلة، وهم محبوبون من محيطهم. كما يبدو أن الضحايا برعوا في التعامل مع غربيتهم بحكم الولادة وجذورهم العربية والمسلمة من دون كثير صدام. وليس أدل على نجاح هؤلاء في أن يقدموا تلك المعادلة المتوازنة من الهوية الإسلامية الغربية سوى ذاك العدد الكبير من المشاركين في جنازتهم والعبارات المؤثرة التي قالها زملاؤهم ومعارفهم عنهم. شعر المغردون الغاضبون بالتماثل مع الضحايا الثلاث.. إنهم أولئك المسلمون الصامتون الذين يشعرون باستهداف لإيمانهم من قبل متطرفين يصرون على القتل باسمهم. وهم أيضا يرتبكون حيال مواصلة العيش في مجتمعات باتت ترى في إشهارهم لهويتهم الدينية خطرا عليها. الانخراط الجماعي الكبير في هاشتاغ «حياة المسلمين مهمة» يؤشر إلى حاجة المنخرطين فيها للاعتراف بأن المسلمين لا يريدون الاستسلام للصورة السائدة التي فرضها من يقتلون باسمهم. قد يبدو هذا التعليق بديهيا، لكن يبدو أن حاجة كثير من المسلمين لإشهاره ملحة. من المعلوم طبعا أن معظم ضحايا التشدد الإسلامي هم من المسلمين قبل أي مستهدف آخر، والأخبار اليومية من مناطقنا العربية والإسلامية مرآة فاقعة لهذه الحقيقة. لكن جريمة قتل ضياء ويسر ورزان ليست حادثة قتل مسلمين لمسلمين آخرين، إنما لغربي أميركي قتل مسلمين. هذا التعريف يفرض أيضا على الغرب مراجعة لقيم بدأت تتفشى في مجتمعاته، قيم الإسلاموفوبيا التي انتقلت على ما يبدو من طورها النظري إلى مستوى من العنف بدأت تظهر ارتداداته.